تتمثل دعوتنا الاساسية في تحرير العملية التربوية ومعها وزارة التربية من المحاصصة الطائفية والحزبية من اعلى موقع فيها، اي الوزير، الى أدنى موقع، وذلك لكي تتفرغ الوزارة للقيام بدورها البناء في تربية المواطن الفعال وتنشئة الاجيال تنشئة صالحة التي تمثل الاساس المتين للدولة الحضارية الحديثة...
انني اتفق مع قول أحد الباحثين: ان "المجتمع لا يمكن أن تنتظم أموره ما لم تتأسس هناك دولة وأول واجبات هذه الدولة هو أن تقوم بكل ما من شأنه أن يؤمن للأفراد حياة سعيدة، ولا يكون ذلك إلا بالتربية التي هي أهم واجب من واجباتها. أما إذا أهملت هذه الناحية فإن الدولة لا يمكنها أن تحيا والمجتمع لا يمكن أن ينتظم ويضمن لـه البقاء".
والدولة التي تقوم بذلك على أفضل وجه هي الدولة الحضارية الحديثة التي كتب عنها الفلاسفة والمصلحون منذ افلاطون ومن جاء بعده، وبشرت بها الاديان، وعمل من اجل اقامتها البشر، حتى استطاعت بعض المجتمعات اقامتها بدرجات مختلفة في عصرنا الراهن كما تبين المؤشرات العالمية وبخاصة human development index الذي تصدره الامم المتحدة سنويا.
والطريق الى هذه الصيغة المتقدمة من الدول هي التربية، فالدولة الحضارية الحديثة تولد في السنة الدراسية الاولى، حيث يبدأ الطفل رحلته التربوية التي سوف تستمر لأكثر من ١٢ عاما، وهي رحلة طويلة تستهدف تأهيل الطفل ليكون مواطنا فعالا مسلحا بالوعي والثقافة والعلم والتهذيب والشعور العالي بالمسؤولية.
وبسبب الاهمية القصوى للتربية في المسيرة الطويلة نحو الدولة الحضارية الحديثة، قامت الدول، وبخاصة منذ الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، بتأسيس وزارات التربية، وخصصت لها خيرة الرجال والنساء، والكثير من الاموال، من اجل ان تقوم بواجبها على أفضل وجه. واليوم تمثل وزارة التربية في معظم ان لم نقل كل دول العالم الوزارة الاهم، التي لا تقل في اهميتها عن "الوزارات السيادية" الاخرى كوزارات الدفاع والخارجية والداخلية والمالية.
وربما تقوم الانظمة الايديولوجية المغلقة، كالنظام النازي والشيوعي والبعثي، باحتكار وزارة التربية، وغلقها، ومنع غير الحزبيين من العمل فيها، لكي تضمن ان العملية التربوية تتم حسب توجهاتها الحزبية الصارمة.
وبعد سقوط النظام الصدامي تحررت وزارة التربية من الاحتكار الحزبي، لكنها وقعت في اسر المحاصصة الطائفية-الحزبية، وهذا امر اشّر الى عدم ادراك الطبقة السياسية للطبيعة المهنية لوزارة التربية، شأنها في ذلك شأن وزارة الكهرباء، حيث لا يفترض ولا ينبغي ان تكون الوزارتان مشمولتين بنظام المحاصصة الذي تبنته احزاب السلطة في العراق.
وتتمثل دعوتنا الاساسية في تحرير العملية التربوية ومعها وزارة التربية من المحاصصة الطائفية والحزبية من اعلى موقع فيها، اي الوزير، الى ادنى موقع، وذلك لكي تتفرغ الوزارة للقيام بدورها البناء في تربية المواطن الفعال وتنشئة الاجيال تنشئة صالحة التي تمثل الاساس المتين للدولة الحضارية الحديثة. وهذه هي الخطة (أ) في تفكيرنا.
ولما كانت احزاب السلطة متمسكة بالمحاصصة واخضاع وزارة التربية لها، فقد انتقلنا في التفكير الى الخطة (ب) وهي الدعوة الى انشاء المجلس الدائم للتربية والتعليم، وهو اجراء يستهدف تحرير العملية التربوية من المحاصصة الحزبية والطائفية، وذلك بتقسيم العمل بين هذا المجلس وبين وزارة التربية، حيث يتولى المجلس جانب المحتوى او software في العملية التربوية، اي منظومة القيم الحضارية والمعايير السلوكية والمعارف العلمية اللازمة لتنشئة المواطن الفعال المؤهل؛ بينما تتولى وزارة التربية الجانب المادي واللوجستي في العملية اي hardware الذي يشمل المباني المدرسية وطباعة الكتب والتعيينات وغير ذلك.
علما ان العاملين في المجلس الدائم للتربية هم اما متطوعون لا يتقاضون اجرا على عملهم (اللجنة العليا للمجلس الدائم) او موظفون على الملاك الدائم للوزارة. وقد بينت تفاصيل عمل المجلس الدائم في مقالات سابقة كثيرة نشرت في أكثر من مكان. وهذا يتطلب ان تتبنى الحكومة الفكرة فيما يصدر مجلس النواب القوانين اللازمة بهذا الشأن.
اضف تعليق