ما يمر به العراق من نقص في الخدمات وانهيار شبه كامل لجميع القطاعات يحتم على الحكومة العراقية إعادة النظر بهذا المكتسب الذي يعفيها من الكثير من المسؤوليات، وموجب الاتفاقية يمكن لها ان تتخلص من التحديات التي تواجهها على مختلف الأصعدة، لكن الحكومات السابقة، وربما حتى الحالية لم تتمكن من...
السادس والعشرين من الشهر الجاري سيكون رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضيفا مرحبا به في العاصمة الامريكية واشنطن، لتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي المعقودة بين الولايات المتحدة والعراق في عهد رئيس وزراء الأسبق نوري المالكي.
وحسب ما تم الإعلان عنه فان الهدف الرئيس من هذه الزيارة هو لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاقية في مجالاتها المتعددة وهي: السياسة والدبلوماسية، الدفاع والأمن، الثقافة، الاقتصاد والطاقة، الصحة والبيئة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تطبيق القانون والقضاء، وعدم الاكتفاء بالتركيز على جانبي السياسة والامن.
الاتفاقية تم توقيعها بين الولايات المتحدة والعراق في نوفمبر عام 2008، وصادق عليها مجلس النواب العراقي في نهاية نفس العام ودخلت حيز التنفيذ في شهر يناير من العام التالي 2009، بعد ان شعر العراق حاجتها لمساعدته في الخروج من ازمة الخدمات المتراكمة بعد تغيير النظام.
البنود السبعة التي عقدت الاتفاقية من اجلها ترقد اغلبها تحت يافطة الإهمال الحكومي، مع عدم التأكيد على الأهداف العامة المتعلقة بكل قطاع وفي معظمها تصب في خدمة المؤسسات العراقية، وتحسين عملية تأدية وظائفها بفعالية ودون تأخير من قبل الطرفين.
ولتسريع تنفيذ بنود الاتفاقية نصت على تشكيل لجنة تنسيق عليا أميركية -عراقية، تلتقي دورياً، مهمتها المتابعة، وتُمثل فيها الوزارات والمؤسسات المعنية بالمشاريع التي تُحدد في إطار الاتفاقية، الى جانب تشكيل لجان تنسيق مشتركة، عند الحاجة، تكون من مستوى أدنى، تضم عددا كافيا من الفنيين المختصين، وتقوم بالإشراف المباشر على تنفيذ المشاريع التي يتفق عليها الجانبان.
العراقيون لديهم تصور خاطئ بخصوص اتفاقية الإطار الاستراتيجي، اذ يعتقد الكثير منهم ان الاتفاقية لا تتضمن التزاما عسكريا أمريكا بالدفاع عن العراق ضد التهديدات الخارجية والداخلية، ويقتصر دورها على تطوير القوات العراقية وتمكينها من حفظ سيادتها وبسط الامن في ربوع البلاد، وفي الحقيقة فان العراق بموجبها محميا من التهديدات المختلفة سواء الداخلية او الخارجية.
ما يميز الاتفاقية مع الولايات المتحدة هو شمولها جوانب تتعدى محوري الامن والسياسية، لكن ومع شديد الأسف لم تستفد الحكومة العراقية من بنودها التي تمس الحاجات العراقية، والمتماشية مع مصلحة البلد، والنهوض بمؤسساته، من دون الالتزام بفترة زمنية محددة، كما انها سمحت للعراق بالخروج من كامل الاتفاقية إذا شاء قبل سنة من تحديد وقت الانسحاب، وهذه الخاصية تعطي العراق الفرصة الأكبر لرسم رؤية متكاملة لكيفية تطوير قطاعاته المختلفة، والاستغناء عنها في الوقت المناسب.
وبفعل تقلب المزاج السياسي العراقي لم تتم متابعة خطوات تنفيذها بالشكل المطلوب وعلى نحو جدي ومتواصل وصولا الى مراحل متقدمة في التنفيذ، لسوء الحظ بالتأكيد حصل ذلك، إذ ذهبت هذه الاتفاقية، كأشياء أخرى كثيرة في البلد، ضحية ضعف التخطيط والحاجات الآنية للحكومات العراقية المتعاقبة، وليس الحاجات الطويلة المدى للدولة.
ما يمر به العراق من نقص في الخدمات وانهيار شبه كامل لجميع القطاعات يحتم على الحكومة العراقية إعادة النظر بهذا المكتسب الذي يعفيها من الكثير من المسؤوليات، وموجب الاتفاقية يمكن لها ان تتخلص من التحديات التي تواجهها على مختلف الأصعدة، لكن الحكومات السابقة، وربما حتى الحالية لم تتمكن من مغادرة عادتها السيئة المتمثلة بانتقاء ملفات وترك غيرها قد تكون أكثر منها أهمية.
الكاظمي وفي حال أراد الصواب وتحقيق الاستفادة من هذه الزيارة عليه الابتعاد عما يتعلق بملفي الامن والدفاع او المرور عليهما مرور الكرام، والعمل على تفعيل الاستفادة من بنودها في تحقيق الإصلاح الاقتصادي، والسياسي، فضلا عن اتباع آلية مواجهة الفساد الذي ضرب أعماق الدولة العراقية، وجعلها ضعيفة لا تقوى على تأدية مهامها وخدمة مواطنيها.
ويوجد من يقول ان زيارة الكاظمي في الوقت الحالي جاءت نتيجة الضغط عليه من قبل الاذرع المسلحة في العراق، والتي تريد ان تسرع بخروج القوات الامريكية، وخلو الساحة لها، مقابل دعمه في البقاء على رأس الحكومة المقبلة، وربما يكون هذا التصور يحمل نوع من الصحة، لكنه لا يمثل كل الأهداف التي حددت موعد الزيارة.
وعلى الكاظمي ان ينظر الى اتفاقية الإطار الاستراتيجي على انها ارث للحكومة العراقية ويمكن الاستفادة منه بأي وقت شاءت، وقد حان الوقت لإخراجه من المستودع والاستفادة منه بأقصى الدرجات، ويمكن ان نشبه هذا الارث بالأرض الخصبة التي تأتي اوكلها انى أردناها، بعد ان مرت بمرحلة الموت السريري بعهد الحكومات السابقة.
مرحلة التحول الدبلوماسي والدور الذي يلعبه العراق في المنطقة عبر حركته الأخيرة وسياسة التقارب بين المحاور، لا تكفي وحدها، بل يتطلب الانتقال الى مرحلة أكثر جدية في التعامل مع ملف الإطار الاستراتيجي الذي يعيد للعراق ما فقده في السنوات الماضية، ولا تكفي النيات الطيبة مالم تقترن بعمل صادق يترجم البنود الموضوعة على ارض الواقع بعد ما أصابها من الجمود والركود القدر الكبير.
اضف تعليق