البلاد التي لا يستقرَّ فيها الأَمن المُجتمعي لا يُمكنُ أَبداً أَن يستقرَّ فيها الأَمن الغِذائي الذي هوَ نتاج الإِستثمار بكُلِّ أَشكالِهِ سواء بالرَّأسمال الوطني أَو الأَجنبي حسب ما تُنظِّمهُ قوانين ولوائِح البلد. ومن علاماتِ فلتانِ الأَمن المُجتمعي كما هو معرُوفٌ؛ السَّلب والنَّهب وقطع الطُّرق وفرض الأَتاوات...
إْنَّ الأَمنَ الغذائي والأَمنَ المُجتمعي صِنوان مُتلازِمان، وهُما أَداتان وهدفان في آنٍ يتكاملان في الدَّولة التي تريدُ النُّهوض.
ولقد أَشار القُرآن الكريم إِلى ذلكَ بقولهِ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ- الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
والعكسُ صحيحٌ كذلك، ولذلكَ فعندما يغضب الله تعالى على مُجتمعٍ ما يعاقبهُ بسلبِ الأَمن الغذائي والأَمن المُجتمعي منهُ كما في قولهِ تعالى {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
وهوَ ما ذكرَهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَجِهَادَ عَدُوِّهَا وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا}.
أَمَّا تجارب الأُمم والشُّعوب على مرِّ التَّاريخ البشري فتُؤَكِّد كذلكَ هذهِ الحقيقة وهيَ؛ أَنَّ البلاد التي لا يستقرَّ فيها الأَمن المُجتمعي لا يُمكنُ أَبداً أَن يستقرَّ فيها الأَمن الغِذائي الذي هوَ نتاج الإِستثمار بكُلِّ أَشكالِهِ سواء بالرَّأسمال الوطني أَو الأَجنبي حسب ما تُنظِّمهُ قوانين ولوائِح البلد.
ومن علاماتِ فلتانِ [الأَمن المُجتمعي] كما هو معرُوفٌ؛ السَّلب والنَّهب وقطع الطُّرق وفرض الأَتاوات وسيطرة السِّلاح خارج سُلطة الدَّولة على الشَّارع، والعسكَرَة ومُجمل الجرائِم المُنظَّمة، والتي بسببها يُخيِّم الخَوف والرُّعب على المُجتمعِ.
ولقد لمِسنا هذهِ الحقائق كذلكَ في زمنِ جائحةِ كورونا، فعندما تسبَّبت بالإِغلاق في الدُّول الكُبرى سارعت حكوماتها أَوَّلاً إِلى توزيعِ الأَموال على المواطنين لتحقيقِ هدَفَينِ؛
- تحريكُ جيُوب النَّاس وعدم تركِها خالية، ليطمئِنَّ المُواطن على قدرتهِ على الإِستمرار في العَيش في ظلِّ الجائِحة التي أَفقدتهُ عملهِ وبالتَّالي دخلهِ اليَومي أَو الشَّهري.
- الحَيلولة دونَ تفكيرهِم بارتكابِ الجرائم للحصولِ على المال، إِذ أَنَّ من طبيعةِ النَّاس أَنَّها تُفكِّر بسلوكِ الطُّرق غَير السَّليمة وغَير الشَّرعيَّة والقانونيَّة من أَجلِ الحصولِ على المالِ عندما يرَونَ أَنَّ الطُّرق الطبيعيَّة والقانونيَّة مُغلقة بوجُوههِم.
باطمئنانِ المُواطن على جيبهِ تستقر نفسيَّتهِ لدرجةٍ كبيرةٍ فلا يصيبهُ اليأس مثلاً والذي يدفعهُ في أَحيانٍ كثيرةٍ إِلى الإِنتحار أَو إِلى إِرتكابِ الجرائمِ.
بمعنى آخر فإِنَّ حكومات الدُّول الكُبرى حمَت المُجتمع من الجريمةِ بضخِّ الأَموالِ إِلى جيُوبِ المواطنين، وبالتَّالي فهي حرَّكت الإِقتصاد ولو بنسبةٍ قليلةٍ لا تُقارن بنسبتِها في الأَوقات العاديَّة، وحالت دونَ وقوع الجريمة المُنظَّمة بالقياسِ إِلى الفراغِ الهائل الذي أَنتجتهُ الجائِحة كالبَطالةِ والرُّكودِ الإِقتصادي والإِغلاق وغَيرِ ذلكَ.
العراق ومنذُ الإِعلان عن الإِنتصار النَّاجز على الإِرهاب يتطلَّع للإِنتقال والدُّخول في مرحلةٍ جديدةٍ هي مرحلة البِناء والإِعمار والإِستثمار، والتي ستخلُق فُرصاً كبيرةً جدّاً للعملِ فتُقلِّل من نسبةِ البطالةِ والفَقر إِذا ما تحقَّقت بشَكلٍ سليمٍ وصحيحٍ، ولا يُمكنُ تحقيقِ ذلك إِذا ظلَّت البيئة الإِجتماعيَّة قلِقة وغَير مُستقرَّة أَمنيّاً.
ينبغي على الجميع التَّعاون الجاد والمُثمر لتحقيقِ الإِستقرار الأَمني من أَجلِ أَن ندخُلَ جميعاً المرحلة الجديدة [مرحلة البِناء والإِعمار والإِستثمار].
حتَّى المشاكل الأَقتصاديَّة والماليَّة التي يمرُّ بها العراقيُّون بسببِ البطالة وانعدامِ فُرص العمل وضعف دَور رأس المال غَير الحكومي [القَطَّاع الخاص] الذي بسببهِ تحوَّلت ميزانيَّة الدَّولة إِلى [تشغيليَّة] بالكامل تقريباً وإِلى [رَيعيَّة] بسببِ إِعتماد الدَّخل القَومي على النَّفط بشَكلٍ كاملٍ تقريباً، إِنَّ كلَّ ذلكَ لا يمكنُ حلَّه من دونِ الإِستثمار الذي يخلق فُرص العمل ويوسِّع من دَور رأس المال والمشاريع غَير الحكوميَّة [القَطَّاع الخاص].
ولا يمكنُ تحقيق كلَّ ذلك إِذا لم يستقرَّ الأَمن لخلقِ بيئةٍ جاذبةٍ وحاضِنةٍ لرأس المال المُستثمِر أَيّاً كانَ نوعَهُ.
إِنَّ إِعلان الحكومة عزمَها حصرِ السِّلاح بيَد الدَّولة يستندُ إِلى هذهِ المُعادلة، لأَنَّ مثل هذا السِّلاح يُهدِّد رأس المال المُستثمِر ويُهدِّد أَصحاب المشاريع الإِستثماريَّة حتَّى الصَّغيرة منها، كما أَنَّهُ يُهدِّد الأَمن المُجتمعي وبالتَّالي يخلق بيئةً طاردةً لكلِّ ما يُمكنُ أَن يُساهمَ في البناءِ والإِعمارِ والإِستثمار.
إِنَّهُ يُهدِّد فُرص العمل التي يُمكنُ أَن تخلقَها المشاريع الإِستثماريَّة.
إِنَّ سيطرة السِّلاح خارج سُلطة الدَّولة [خاصَّةً السِّياسي منهُ] على الشَّارع يُعرقلُ كُلَّ فُرص الإِستثمار مهما كانت ضئيلةً، فاللَّاأَمن والإِستثمار نقيضان لا يجتمِعان.
ينبغي على الدَّولة، التي ترسم اليَوم سياساتها الخارجيَّة الجديدة مع جيرانِها والإِقليم والعالَم على أَساس المصالح الإِقتصاديَّة [الإِستثماريَّة] المُشتركة، أَن تحصر السِّلاح بيدِها وتُفكِّك كلَّ [الميليشيات] والفصائل التي ترفض الإِنضواء تحتَ لواء المُؤَسَّسة الأَمنيَّة والعسكريَّة الرسميَّة والتي منها وعلى رأسِها [هَيئة الحشد الشَّعبي].
لا ينبغي أَن يظلَّ الشَّارع أَسيرَ سلاح هذه الميليشيات [مرعُوباً يتعرَّض للإِبتزاز والأَتاوات] وأَن تبقى الدَّولة مُختطَفة بهذا النَّوع من السِّلاح يُهدِّدها متى ما أَراد ويتجاوز على هيبتِها وسيادتِها كلَّما اقتضت مصلحة [الغُرباء] عرقلةَ رُؤيةٍ أَو تخريب مشرُوعٍ.
لا يمكنُ أَن نتخيَّلَ أَيَّة فُرصة إِستثماريَّة وحال البِلاد على هذهِ الشَّاكلة أَبداً!.
اضف تعليق