تعتبر الانتخابات الحل الأمثل والسلمي للصراع السياسي، لكنها بعيدة عن أن تكون كذلك في ظل العنف الذي يُعد تهديدًا لسلامة الأشخاص ولنزاهة الانتخابات. إن العنف الانتخابي هو محاولات غير مشروعة تهدف استبعاد الفاعلين السياسيين من المنافسة ومن أجل الهيمنة والتأثير بشكل سلبي على عملية التصويت والنتائج...
تعتبر الانتخابات الحل الأمثل والسلمي للصراع السياسي، لكنها بعيدة عن أن تكون كذلك في ظل العنف الذي يُعد تهديدًا لسلامة الأشخاص ولنزاهة الانتخابات. إن العنف الانتخابي هو محاولات غير مشروعة بهدف استبعاد الفاعلين السياسيين من المنافسة ومن أجل الهيمنة والتأثير بشكل سلبي على عملية التصويت والنتائج. غالبا ما يتضمن العنف الانتخابي الهجمات ضد المرشحين والناخبين، والمضايقة، والترهيب، والإساءة، وتدمير الممتلكات، والضغط النفسي.
يُقبل العراق على خريف سياسي مبكر قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 10 تشرين الأول 2021. يجد البلد نفسه في وضع غير مستقر، تتقلب فيه الأحداث بشكل واضح، مع وجود حكومة ضعيفة وغير قادرة على إيقاف نزيف الفساد والعنف والإرهاب وعدم معالجة الوضع الاقتصادي السيء والتدخلات الخارجية.
تتدافع التحليلات والأخبار والاتهامات، من الجهات المهتمة بإجراء الانتخابات، لتحديد التهديدات المحتملة وكبحها، لكن الجهود الى الآن ليست كافية. يتم الحديث باستمرار عن تأثير "السلاح المنفلت" على إجراء الانتخابات ونتائجها، لكن الى الآن لم تُحدد الجهات التي تقف خلف ذلك وكيف تعمل. من جانب آخر فان القوى المسلحة المعروفة والتي لها حضور سياسي وغيرها التي ليس لها ذلك الظهير فهي تؤكد على الدور الايجابي في الدفاع عن سيادة العراق وأمنه وأن هذا لسلاح لن يستخدم لغير ذلك.
تصاعدت التوترات السياسية عندما نمت الاحتجاجات التي يقودها الشباب المنتفضون بسبب سوء الخدمات والفساد لتصبح حركة مناهضة للأحزاب السياسية الحاكمة وأجبروا في وقت مضى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة، وحل محله مصطفى الكاظمي، لكن ذلك لم يمنع العنف والقيام بهجمات وعمليات اغتيالات في عدة مناطق، وهناك العديد من التقارير الدولية والمحلية تشير الى مضايقة الشخصيات المستقلة والنشطاء والمتظاهرين والأشخاص الذين ينتقدون الجماعات المسلحة، وشهد العراق في الأشهر الأخيرة اعتداءات مميتة على صحفيين ونشطاء.
في وقت سابق قامت القوات الأمنية بحظر للتجول وشن هجمات بالغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية لقمع مظاهرات في بغداد ومدن جنوبية أخرى. بحلول منتصف كانون الأول، أصيب حوالي 25 ألف شخص خلال الاحتجاجات، وقتل 700 على الأقل. فتحت قوات الأمن العراقية والجماعات المرتبطة بها الرصاص الحي على المتظاهرين وتنفيذ حملات من عمليات الخطف لمنظمي الاحتجاج والناشطين، مما أثار دعوات لمقاطعة الانتخابات البرلمانية بينما يظل المسببون دون عقاب.
تشير الأحداث العنيفة أن أغلب ذلك العنف مدفوعا بواسطة الصراع الداخلي المدعوم من الخارج وهو ما يجعل آفاق الإصلاح غير ممكنة. بينما يتجه المؤشر نحو مخاطر كبيرة خلال المدة المقبلة في ظل المزاج السياسي المتعكر. من بين التحديات الأمنية الأخرى، لازال الإرهاب يودي بحياة الكثير من المواطنين ويشن تنظيم داعش هجمات منسقة تستهدف القوات الأمنية والمدنيين، وعلى المستوى ومنذ نهاية عام 2020 تم إغلاق أو إعادة تصنيف 16 مخيما للنازحين، فيما لم تنتهي الى الان الاستعدادات لعودة حوالى 50 الف عراقى الى مناطقهم.
ومع قرب موعد إجراء الانتخابات، يحدث العنف بشكل مختلف، ولأسباب مختلفة، فان التجارب السيئة الماضية ارتبط ذلك العنف بالانتخابات وعرض البلد لمخاطر جمة، فالحكومات الضعيفة المتوالية والأحزاب الحاكمة تسببت في ذلك العنف خشية ان تفقد سلطتها وبسبب المنافسة الحزبية المعقدة ونتيجة تطبيع العنف السياسي، وفي كثير من الأحيان شجعت بشكل مباشر أو غير مباشر على العنف من أجل قمع الأصوات المعارضة.
كثيرا ما استبدت السلطة واستغلت إراقة الدماء خلال المواسم الانتخابية الماضية وغالبا ما كان ذلك استراتيجية منظمة لمنع الأصوات الحرة وولادة انتخابات نزيهة، وهي جزء من مجموعة أدوات واسعة استخدمت لقمع الناخبين والتلاعب بمصيرهم.
بالتالي قوض العنف الانتخابي شرعية النظام السياسي وحد من ثقة الناخبين في التحول الديمقراطي السلمي، وقد يؤد ذلك في النهاية إلى التحول نحو حكم أكثر استبدادي.
إنهاء اللعبة المعقدة التي يجب أن تنتهي بإنهاء ثقافة الفساد والعنف السياسي، وإيجاد موطئ قدم لقوى جديدة في البرلمان من أجل تغيير ميزان القوى السياسية. إذا لم تكن الحكومة قادرة على اتخاذ خطوات عاجلة لوقف عمليات العنف بكل أشكاله، فإن مناخ الرعب الملموس الذي تولد سيحد بشدة من القدرة على المشاركة، وفي حال تأثر القضاء بالضغط السياسي والمصالح وعدم وضع فاصلة في علاقته بالسلطات التنفيذية والتشريعية والأحزاب ستكون هناك عقبة أكبر أمام مسيرة الديمقراطية، وعندما تتصاعد الأحداث إلى نقطة الغليان ويدرك الجميع ذلك دون فعل شيء، فهم إما أغبياء محاصرون في فهمهم الضيق أو لديهم مصالح خاصة في مثل هذا التصعيد.
ولتسليط الضوء على جوانب أخرى ترتبط بأمن الانتخابات وكيفية معالجة التحديات، من أجل إنشاء نظام انتخابي أكثر استدامة وذلك من خلال:
1. تعزيز تنسيق وتمويل الأمن الانتخابي من الجانب الفني والتقني على مستوى الدوائر. تقع على عاتق الهيئات التشريعية والجهات التنفيذية الاجراءات الكافية لسلاسة الانتخابات بشكل مستدام. عن طريق الأشراف المباشر، وإدارة وتنفيذ أنظمة تكنولوجيا المعلومات وتوفير الأمن للجهات المشرفة في كل دائرة انتخابية، وكذلك عن طريق وضع المعايير والتعاون لتحقيقها.
2. تقديم الدعم من قبل الحكومة المركزية: فالحكومة ومفوضية الانتخابات مسؤوليتهما تقديم الدعم للجهات المختصة، مع توجيه التمويل العام بشروطه وكيفية استخدامه، وتكون الأولوية توفير الموارد للانتخابات على مستوى ثابت ومستدام ومنح التفويض والتمويل الذي تحتاجه الدوائر الانتخابية.
3. زيادة الثقة في تأمين إجراء الانتخابات. هناك مسؤولية مشتركة بين الجهات المشرفة والرقابية والجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز الثقة في الانتخابات والحفاظ عليها. شهدت انتخابات 2018 معدلا غير مسبوق من المخاطر، ومع استمرار انتشار المعلومات المضللة يجب أن تكون الجهات المختصة مصادر موثوقة للمعلومات يمكنها الاستجابة بمصداقية للمخاوف ودحض المعلومات غير الصحيحة.
4. استثمار المواهب والطاقات الأمنية الانتخابية: من المسؤوليات المشتركة الأخرى للقطاعين الخاص والعام الاستثمار في المواهب الأمنية الانتخابية من خلال وجود مصادر تزود الإدارات الانتخابية بالموهوبين المُدربين بشكل جيد وتطوير الجيل القادم من تلك المواهب، لضمان قوة عاملة شبابية متجددة ومستقرة وجيدة الإعداد.
اضف تعليق