خلق الوحش النازي وحش اسرائيل وخلقت اسرائيل وحشي الطرف المقابل لها. وربما سنشهد ولادة وحش في دول الصراع يوما ما، لا النازيون تعلموا من دروس التاريخ ولا اسرائيل تعلمت. الكل يعتقد ان القوة الغاشمة كفيلة بتحقيق ما يشاء، لكن ما حدث كان قصة اخرى...

في عام 1931 اجرى الانكليز احصاءا سكانيا في فلسطين اوضح ان عدد المسلمين كان 760 الف وعدد اليهود 175 الف، واظهرت ارقام عام 1947 ان عدد المسلمين اصبح مليون و181 الف لكن عدد اليهود ارتفع الى 630 الف.

في تلك السنة صوت اعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية مع تدويل وضع القدس، لم يكن تضاعف اعداد اليهود اربع مرات وليد الصدفة. فقد شهدت تلك الحقبة استيلاء هتلر والنازيين على السلطة في المانيا الذي ادى في النهاية لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

وفي سنوات النازية الاولى شجع اليهود على مغادرة المانيا ب(سلام) وهكذا غادرت اعداد هائلة منهم الى مختلف انحاء العالم ومنها فلسطين (ذهب اينشتاين مثلا الى الولايات المتحدة)، وفي سنوات الحرب وبعد اقرار تنفيذ (الحل النهائي) المتمثل بابادة كل اليهود في اغلب انحاء اوروبا التي حكمها النازيون، قتل 6 ملايين يهودي في معسكرات الموت بمختلف الاشكال، وكان هذا حافزا اخر لكي يهرب من يستطيع منهم الهرب الى اي مكان، ولم يكن هناك خيارات كثيرة لهم لان اغلب دول العالم اغلقت حدودها بوجههم.

بعد هزيمة المانيا وتكشف فظاعات المحرقة اليهودية، صار هناك قناعة لدي عدد غير قليل من قادة دول العالم المؤثرة انه لابد ان يعوض اليهود بمنحهم الدولة التي تضمهم. وهكذا كانت اجواء اقرار قرار التقسيم عام 1947.

بعد عام اعلن بن غوريون قيام دولة إسرائيل، ما حدث ان الوحش النازي الذي حاول ابادة اليهود ساعد قضية انشاء وطن لهم بل خلق وحشا اسمه إسرائيل، وفي حرب 1948 تمكنت اسرائيل من هزيمة الجيوش العربية (وخصوصا الجيش المصري) واستولت على اراض تفوق ما خصص لها بموجب قرار التقسيم بما في ذلك كامل صحراء النقب.

كما حدثت مجازر مثل دير ياسين اقنعت حوالي 800 الف فلسطيني بمغادرة منازلهم مما خلق ازمة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم، في عام 1967 ابتلع الوحش اراض اخرى بعد هزيمة العرب فضم القدس والضفة والقطاع وسيناء والجولان.

لكن هذا الوحش الذي اصيب الان بجنون العظمة اندفع منذ عام 1978 الى جنوب لبنان ثم غزا لبنان عام 1982 وارتكب جرائم ومجازر ودمر وقتل وعاث في الارض فسادا هناك، لبنان هو اصغر بلدان الطوق واضعفهم بداهة.

لكن الوحش الاسرائيلي اطلق في لبنان وحشا اخر انبثق من افواج المقاومة اللبنانية امل وتجربة العمل مع الفصائل الفلسطينية ثم تجسد اخيرا بهيئة حزب الذي اصبح في النهاية اقوى جماعة مسلحة خارج اطار الدولة في العالم كله!

وبايمان عقائدي ودعم ايراني وسوري طور هذا الحزب وسائله لتتناسب مع التحدي الاسرائيلي حتى اجبره في النهاية على ترك المستنقع اللبناني مهزوما ذليلا عام 2000، لكن الوحش الوليد لم يختف من الوجود. انه استمر في النمو وطور ترسانة صواريخ هي الاكبر في الشرق الاوسط ودخل في مواجهة عام 2006 التي برهنت انه لم يعد هناك قوة في الارض قادرة على هزيمته وان اي تدخل بري اسرائيلي سيعني تكرار لمجزرة دبابات الميركافا، وهكذا خلق توازن الرعب الحالي بين اسرائيل وحزب الله.

وفي غزة اطلقت اسرائيل العنان لالتها الحربية في اعوام 2008 و2012 و2014 وقصفت ودمرت جوا وبرا وبحرا وقتلت الاف والاف من الفلسطينيين كان اغلبهم مدنيين، وخلال السنوات السبع الماضية تولد في اسرائيل وهم يقول بانه تم احتواء حماس وهي لا تشكل بالنسبة لاسرائيل الا مشكلة ثانوية مقارنة بخطر حزب الله.

حتى جاءت جولة القتال الاخيرة لتكشف للعالم ولادة وحش جديد لم تعد هزيمته ممكنة، طورت حماس شبكة انفاق مستفيدة من تجربة انفاق داعش في العراق بما يؤهلها لتصنيع الصواريخ واطلاقها بالرغم من شبكة مخبري الاستخبارات الاسرائيلية والقصف الجوي المكثف، وفي النهاية خلق الوحش النازي وحش اسرائيل وخلقت اسرائيل وحشي الطرف المقابل لها. وربما سنشهد ولادة وحش في دول الصراع يوما ما.

لا النازيون تعلموا من دروس التاريخ ولا اسرائيل تعلمت. الكل يعتقد ان القوة الغاشمة كفيلة بتحقيق ما يشاء، لكن ما حدث كان قصة اخرى.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق