الرسائل "السرية" التي بعثت بها رئيس الولايات المتحدة الامريكية، "باراك أوباما"، الى اعلى سلطة في إيران، المرشد الأعلى "علي خامنئي"، وتناوب على حملها مسؤولون بارزون تجمعهما علاقة طيبة بكلا البلدين، إيران وامريكا، سيما العراق وعمان، كانت ولا زالت تعبر عن الكثير من الدلالات السياسية والعوامل المشتركة التي تجمع البلدين منطقة الشرق الأوسط، ويبدو ان عبور عقبة "الاتفاق النووي"، ستكون المفتاح الرئيسي للولوج في مراحل تنسيق عالي فيما بينهما، سوف يؤسس له الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، والرئيس الإيراني "حسن روحاني"، ربما بمباركة من الزعيم الأعلى، او على الأقل غض البصر عنها، في بداية الامر حتى لا تثير حساسية "المتشددين"، او تقود الى تفسيرات أخرى تشق وحدة الصف او عصا الطاعة...
لكن أهمية هذه الرسائل لا يمكن استثناءها عن أهمية ما جرى خلال عشرين شهرا من المباحثات واللقاءات التي جمعت وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" مع وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف"، في أكثر من مناسبة وعاصمة اوربية، ولعل "أهمية" هذه الرسائل (الى جانب الاتفاق النووي)، هو الذي حفز مخاوف بعض "حلفاء" الولايات المتحدة الامريكية، "الشرقيون"... وأطلق "النفير العام" لدى إسرائيل والسعودية وبقية دول الخليج... وتركيا، إضافة الى بعض "حلفاء" الولايات المتحدة الامريكية، "الاوربيون"... من صعود نجم إيران "السياسي"... او من استحواذ أمريكا على "كعكة الاقتصاد" الإيراني... لنفسها.
الرسائل الامريكية... التي وصلت جميعها الى المرشد الأعلى في إيران... واطلع على بعضها الرئيس الإيراني... إضافة الى حاملي الرسائل، (اذ ان بعضها كان شفويا والبعض الاخر كان مكتوبا)، اعترفت ببعضها الولايات المتحدة الامريكية... ولم تنفي او تؤكد البعض الاخر... فيما سكتت عن بعضها... الا ان المشهد العام لجميعها، تحدث عن حث الرئيس الأمريكي، للجانب الإيراني، بالعمل للتوصل الى اتفاق نووي يخدم الطرفين، فيما بقي الجانب "المسكوت عنه"، لا يعلمه الا أصحاب الشأن، مع بعض التسريبات التي اشارت الى "مغازلة" أمريكية لإيران بالتعاون معها في مكافحة الإرهاب... بما يشبه "الصفقة" مقابل "الاتفاق النووي"... والتي بموجبها قد تقدم ايران بعض "التنازلات" في "العراق" او "سوريا"... الامر الذي رفضة "المتشددون" في ايران... و"نفاه" المتفاوضون من "الإصلاحيين"... بعد ان اتهموا بخيانة مصالح ايران العليا من خلال سعيهم للتقارب مع الغرب او "الشيطان الأكبر"... على حد وصفهم.
وإذا كان للرسائل "السرية" المتبادلة، (اذ تشير بعض التسريبات الى تسلم الرئيس الأمريكي ردود على الرسائل التي أرسلها الى إيران)، أهمية في تغيير طريقة تعامل الولايات المتحدة الامريكية مع إيران... والعكس صحيح، فقد تحيلنا المخيلة وما رشح من التسريبات... الى عدة فرضيات يمكن استنتاجها من مجموع هذه الرسائل.
ربما يكون منها... الاعداد لترتيبات امنية حقيقية بين الطرفين... لدخول إيران كطرف رئيسي في مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط... بعد ان لاقت الولايات المتحدة الامريكية، شروطا تعجيزية من تركيا... وضعف من حلفائها الخليجيين، إضافة الى انتقادات واسعة "للتحالف الدولي" في احتواء تمدد التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق... واللافت ما جرى مباشرة بعد اخر الرسائل التي نقلها رئيس الوزراء العراق، (حسبما نقلت صحف إيرانية مقربة من السلطات الرسمية)، حيدر العبادي، بعد لقاءه الأخير بالرئيس الأمريكي على هامش قمة مجموعة السبع في المانيا... وسفرة الى ايران بعد عشرة أيام من تاريخ اللقاء الذي جمعه بأوباما... حيث صرح وزير الخارجية السوري "الشعار"... ان اجتماعا امنيا "عالي المستوى" سيعقد في "بغداد" يضم (العراق، سوريا، ايران)... لتعزيز مكافحة الإرهاب والتصدي له... كما أبدت بالمقابل روسيا استعدادها التام للوقوف الى جانب سوريا في مواجهة الإرهاب... اما في العراق... فقد تم احالة اعلى رتبة عسكرية في الجيش العراق (بابكر زيباري)، وهو رئيس اركان الجيش العراقي منذ عام 2003... الى التقاعد.
وقد يكون منها أيضا... فتح قنوات للحوار مع "المحافظين"، والتي لم يكن الحديث عن وجودها "بهذه الطريقة المباشرة" حتى وقت قريب، ويعلم الرئيس الأمريكي أهمية فتح هذه القنوات في تحقيق أي تقارب دبلوماسي او اقتصادي او أمنى محتمل مع إيران... لأنه سيمهد الأرضية لاهم عائق امام الطرفين، برفع حاجز "فقدان الثقة" المزمن فيما بينهما، وعلى ما يبدو فقد تم عبور الخطوة الأولى بنجاح... والدليل انها (الرسائل)، ما زالت متواصلة بين الطرفين... وان كانت على فترات متباعدة... لكنها ستؤسس، في حال تم التوصل الى "اتفاق نووي"، لمرحلة ما بعد هذا الاتفاق... والعلاقة التي ستحكم البلدين للمرحلة القادمة... بكل تأكيد... خصوصا اذا اقتنع "المحافظون" او الخط الأكثر اعتدالا بين "المحافظين" بضرورة دعم ما يذهب اليه "الإصلاحيون" من فتح علاقات جديدة مع الغرب... والتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية، كشريك محتمل في الشرق الأوسط... وهو ما سيغير الكثير من الواجهات والقناعات داخل ايران... الان وفي المستقبل القريب... لكن جميع ما تقدم... يبقى مجرد احتمالات قائمة على الاستنتاجات والتسريبات... التي ستبين الأيام القادمة مدى قربها او ابتعادها عن ارض الواقع.
اضف تعليق