المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى... استهلكت ما تبقى من الفترة الزمنية للولاية الثانية للرئيس الأمريكي "باراك أوباما"... ويبدو انه غير نادم على هذا الامر... ما دام سيحصل في نهاية المطاف على "اتفاق تاريخي" في منطقة مضطربة، كمنطقة الشرق الأوسط... ومن دولة تعادي سياستها الرسمية الولايات المتحدة الامريكية... ومن نظام ينظر الى امريكا باعتبارها "الشيطان الأكبر"... ومع هذا تحلى الطرفان، (الإدارة الامريكية والاصلاحيون في إيران)، بصبر عالي وتكتم شديد، بدءً من المحادثات السرية في عمان، وانتهاءً بالموعد النهائي (قبول او رفض) للمفاوضات الجارية في فينا والتي من المفترض ان تختم، بعد أيام، في 30/ حزيران، والتي ستقرر مصير اكثر من 20 شهرا من المفاوضات السياسية والفنية الدقيقة... بمشاركة خمس قوى كبرى إضافية لتعزيز التوصل الى "اتفاق جيد"، يضمن حقوق الجميع.
بمجرد الإعلان عن انطلاق المفاوضات بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران... هبت موجة قوية من الاعتراضات ضد سياسية الولايات المتحدة الامريكية في عهد "أوباما" من قبل حلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط... الاعتراضات سلطت الضوء على اتهام سياسية أوباما بالضعف وعدم الوضوح... والميل لأعداء أمريكا وحلفائها... طبعا إسرائيل (الدولة الأكثر تسليحا بالنووي في المنطقة)، الدولة الأولى التي اطلقت هذه الحملة... وانضمت اليها لاحقا دول الخليج... وبالأخص السعودية، التي لم تقنعها كل الضمانات الامريكية التي قدمها الرئيس الأمريكي خلال زيارته للملك السعودي السابق "عبد الله بن عبد العزيز"... والملك الحالي "سلمان بن عبد العزيز"... إضافة الى دعوة زعماء الخليج الى منتجع "كامب ديفيد"... والالتزامات الامريكية التي ابداها الرئيس الأمريكي خلال أيام الاجتماع... بالتسليح وضمان امن الخليج... لكن يبدو ان جميع هذه التطمينات لم تستطع ابعاد شبح "ايران النووية" عن حكام السعودية او اليمين المتطرف في إسرائيل... لذا اقتضت المواجهة التحول الى بعد اخر غير التصريحات الإعلامية او تحريض الكونغرس الأمريكي بخطاب عاطفي... بل استخدام أي وسيلة قد تعيق او تحرج او تمنع الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي عن الوصول الى اتفاق مع ايران وباي ثمن كان.
ومن بين هذه الوسائل التي يمكن ان تشكل ضغطا من نوع اخر على الأطراف التي ترغب بتوقيع الاتفاق:
- التسريبات عن التجسس الأمريكي ضد فرنسا، خلال فترة (2006-2012)، على ثلاث رؤساء فرنسيون... رغم وعود الرئيس الأمريكي "أوباما" بإنهاء قضية التجسس ضد الحلفاء الاوربيين... التوقيت ونوع الوثائق المسربة... يشير الى الجهات التي وقفت خلف هذه التسريبات واخرجتها لعرقلة المفاوضات والاستفادة من موقف فرنسا المغير لموقف أمريكا.
- التقارب الفرنسي-السعودي... والصفقات العسكرية الضخمة... والعلاقات الدبلوماسية "غير المسبوقة" بينهما مؤخرا... والتي وصلت حد التعاون الأمني والاستخباري في ملف "اليمن" والذي من المقرر ان تساعد فرنسا فيه السعودية على إيجاد مخرج مناسب للازمة... بحسب تسريبات "مجتهد" الأخيرة على "تويتر"... يقابله تشدد فرنسي "غريب" إزاء الملف النووي الإيراني... ومطالبة فرنسا باتفاق "محكم" وموقف "غير ضبابي" من إيران... وهي عبارات طالما رددت على لسان دول رافضة للاتفاق النووي.
- قدمت فرنسا دراسة لبناء مفاعلين نوويين للسعودية... ويعني هذا عودة السباق النووي الى الشرق الأوسط... الحليف السعودي للولايات المتحدة الامريكية يتحول الى فرنسا لمساعدته في بناء "مفاعلين نوويين"... بعد ان اقتنعت السعودية بان الولايات المتحدة الامريكية لن تسلب غريمها "إيران" التقنية النووية... وان الاتفاق النووي النهائي سيقوي من عضد إيران في المنطقة بدلا من اضعاف نفوذها او الحد من هيمنتها الإقليمية المنافسة للسعودية في الشرق الأوسط.
ولا نعرف ما الذي ستشهده الأيام الأخيرة والحاسمة لسير المفاوضات الجارية في فينا من مفاجئات قد تكون "سارة" للبعض" او "غير سارة" للبعض الاخر... فالأجواء العامة المحيطة بمشهد المباحثات "ساخنة جدا"... ففي إيران يجري وضع "خطوط حمراء" للفريق المفاوض تعلقت بتحديد جدول زمني "فوري" لرفع العقوبات... وعدم القبول بعمليات تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية... إضافة الى مستقبل البرنامج النووي على المدى البعيد... وعدم تحجيم برنامج الابحاث النووي... اما في الولايات المتحدة الامريكية... فالتشاؤم على قدر التفاؤل، والضغط على الإدارة الامريكية قوي ومركز... سيما من جانب اللوبي اليهودي الرافض لأي اتفاق مع ايران... حتى ان وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"... هدد قبل أيام بإنهاء المفاوضات من دون التوصل الى أي اتفاق في حال لم تلتزم ايران بالاتفاقات السابقة... واصرت على مواقفها السابقة.
واغلب الظن ان الاتفاق النووي مع إيران سيرى النور... ربما بعد تمديد المباحثات لما بعد 30/ حزيران القادم... وسيوصف على انه "اتفاق تاريخي"... يعلن فيه الطرفان انتصارهما وتحقيق اغلب اهدافهما المرجوة من الطرف الاخر... لكن هذا الاتفاق سيكون "مرحلي" وليس نهائي... بمعنى ان بعض النقاط العالقة سيتم مناقشتها والتوصل لحلول بشأنها في وقت لاحق... ربما بصيغة "بروتوكولات" إضافية... او اتفاقات "مكملة" للاتفاق الرئيسي الذي سيحدد الخطوط العامة فحسب... ربما لتجنب ردود الأفعال التي ستحدث... والتي يمكن ان تؤدي الى انهيار الاتفاق بصورة كاملة.
اضف تعليق