q

لم تعتمد الولايات المتحدة الامريكية كثيرا، في محاربة تنظيم "داعش"، على الجيوش النظامية او القوات الأمنية الرسمية، سيما في المناطق التي ينشط فيها مسلحي "داعش" والمناطق الخاضعة للتنظيم في سوريا والعراق، حتى ان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عارض كل الأصوات وتحدى جميع الدعوات لإرسال قوات من الجيش الأمريكي، باستثناء 3500 عنصر، اكد البيت الأبيض ووزارة الدفاع (البنتاغون)، ان مهماتهم تقتصر على تقديم المشورة والدعم اللوجستي والتدريب للقوات الأمنية والحكومة الاتحادية العراقية، إضافة الى قوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان شمال العراق، ويبدو ان استعاضة الإدارة الامريكية بقوات غير نظامية، خفيفة الحركة، ولها خبرة في مقاتلة الجماعات المتطرفة، هو الخيار الأقرب للواقع، في الوقت الراهن، بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، بعد ان فشلت اغلب الجيوش العربية في مواجهة أساليب القتال التي تنتهجها الجماعات المتطرفة في القتال، والتي تعتمد على التفجيرات الانتحارية والتفخيخ وحرب المدن والشوارع...الخ، والتي لا تستطيع القوات النظامية تقديم افضل فعالياتها القتالية فيها.

خلال السنتين الماضيتين، والتي نجح التنظيم، خلالهما، احكام سيطرته على مناطق واسعة من العراق (شمال وغرب وشرق)، وسوريا (شمال وشرق ووسط)، واقترب من السيطرة على مناطق أخرى بعد ان فرض الحصار على بعضها، او تبادل السيطرة عليها مع القوات الأمنية... تزامن مع هذا التقدم... بروز عدد من الجماعات المعارضة لتقدم تنظيم "داعش"، البعض منها كان خارج نطاق سيطرة أي حكومة، مثل قوات "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا، والبعض الاخر كان يعاون الحكومة المركزية لدفع خطر التنظيم عن أراضيه، مثل قوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان، او قوات "الحشد الشعبي"، والتي تشكلت عقب توسع التنظيم في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، بفتوى من المرجعية الدينية في النجف، للدفاع عن الأراضي العراقية، سيما المقدسة منها، كما كان هناك طرف ثالث لا ينتمي لطرفي النزاع... وانما انخرط في صميم المواجهة مع تنظيم "داعش"، لأهداف سياسية او امنية او دينية، مثلما شارك "حزب الله" اللبناني في سوريا... او لواء "أبو الفضل العباس" العراقي في سوريا أيضا.

الولايات المتحدة الامريكية راقبت بعين الفضول أداء هذه القوات القتالي على مختلف الجبهات... وقيمت تكيفها والنجاحات التي حققتها في استرجاع الأراضي، وإيقاف زحف التنظيم... والجماعات المتطرفة الأخرى، مثل "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة"، ربما لا نها تجد في هذه القوات "البديل الناجح" للتصدي للتنظيم... امام فشل القوات والجيوش النظامية في احتواءه او الحد من خطرة... او قد تجد في هذه القوات السبيل الأمثل لتطبيق خطة "أوباما" في عدم ارسال الجيوش الامريكية لتقاتل "نيابة عن أصحاب الأرض" كما اعلن ذلك الرئيس الأمريكي في اكثر من مناسبة... وفي كلا الحالتين، سيقتصر جهد الولايات المتحدة الامريكية على توفير الغطاء الجوي... مقابل القتال الذي ستخوضه هذه القوات امام الجماعات المتطرفة.

"جوش إيرنست"، المتحدث باسم البيت الأبيض، اعتبر التقدم الذي حققته "وحدات حماية الشعب" الكردية، في استعادة مدن مهمة في معقل التنظيم في محافظة "الرقة"، بأنه "إشارة إلى مدى الأهمية الحاسمة التي توليها الولايات المتحدة لوجود شريك لديه القدرة والاستعداد والفعالية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الأرض، ولهذا السبب تكرس واشنطن موارد كبيرة لبناء قوات معارضة للتنظيم"، على الرغم من اعتقادها ان بناء هذه القوات "مهمة أكثر صعوبة" في سوريا مقارنة بالعراق... واعتقد ان الصعوبة التي تقصدها الولايات المتحدة الامريكية... هي صعوبة "سياسية" وليست صعوبة "اقتصادية" او شيء اخر.

في العراق لم يتبقى سوى تشكيل وتجهيز قوات من العشائر "السنية" لمواجهة التنظيم بعد ان اكتمل وجود القوات الشيعية "الحشد الشعبي"... والقوات الكردية "البشمركة"... وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة الامريكية حاليا... وتضغط على الحكومة الاتحادية في العراق من اجل الإسراع بتشكيل قوات من "السنة" تحمي مدنهم من الجماعات المتطرفة... وتحررها من تنظيم "داعش".

اما في سوريا... فالقضية "أكثر تعقيدا"، كما تنظر اليها الولايات المتحدة الامريكية، بسبب كثرة الأطراف المتداخلة في الازمة السورية... فتركيا وقطر من جهة... إيران وروسيا... من جهة أخرى... السعودية... اوربا... وحتى الولايات المتحدة الامريكية نفسها... الجميع لديهم رغبات واجندات يحاولون تطبيقها داخل سوريا... والجميع يحاولون منع سقوط حليفهم او من يدعمون... لهذا لا تستطيع إيجاد أرضية مشتركة بين الجميع... وقد حاولت الولايات المتحدة الامريكية تشكيل جماعات خاصة بعد تدريبها وتجهيزها... الا ان هذه العملية تستغرق الكثير من الوقت والجهد والمال... لكن كل هذا لم يمنعها من التنسيق مع "الجماعات الكردية" التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية... ومن يدري... قد تنسق الولايات المتحدة الامريكية، أيضا، مع جهات أخرى... ربما ادرجتها على لوائح الإرهاب من اجل دفع خطر التنظيم وإيقاف تمدده... ويبدو ان أمريكا ترغب، في الوقت الراهن، بقوات مقاتلة صغيرة ومحلية، تقاتل التنظيم، كبديل عن الجيوش النظامية... وستتعاون معها حتى وان كانت تختلف عنها في التوجهات والأفكار... فالبحث عن القواسم المشتركة اهم من التنقيب عن نقاط الخلاف.

اضف تعليق