النظام الديمقراطي الحالي لا يمكن ان يتقدم بتجاه تحقيق أهدافه والتي بضمنها القضاء على الفساد وتخفيض نسبة الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، بدون تحقيق مبدأ مهم من مبادئ العمل التشاركي بين جميع الجهات، شريطة ان تكون هذه الشراكة قائمة على منفعة الشعب وليس المصالح الخاصة...
احتاج لصراحة بالإجابة، هل تذهب للطبيب عندما تمرض لمجرد ان لديه عينان زرقاويتان؟، وهل تثق بكابتن طائرة لا يتمتع بقدر كاف من الخبرة تمكنه قيادة الطائرة بنحو آمن؟، وهل يتمكن من يحمل شهادة ابتدائية ان يُدير جامعة تتسم بالعراقة وقدم التأسيس؟، وهل يبنى وطن تُدار شؤونه من قبل حديثي العهد بالمجال السياسي؟، انا سأكون أكثر صراحة منكم واتحمل مسؤولية الإجابة عنكم.
لا يذهب أحد للمريض ولا يجازف بركوب الطائرة، كما انه غير مستعد لدخول الجامعة وهي بهذا المستوى الهابط من العلمية، ويشهد الوطن تراجعا ملموسا عندما يُحكم من قبل هذا النموذج السيئ بمعنى الكلمة من السياسيين.
العراق من بين البلدان التي صُدر اليها النظام الديمقراطي بعيوبه ومزاياه، وأصبحت الجميع تلهج بها دون معرفة النتائج التي وصلنا لها وسنصل بالأيام القادمة، فهي جعلت من لا يحمل فهما يسيرا بالجوانب السياسية يتقلد أرقى المناصب ويتحمل أكبر المسؤوليات.
التغيير الحاصل بنظام الحكم في البلاد منح المجال للمشكلات السياسية ان تتفاقم، وصار من الصعب إيجاد الحلول لها، وأصبحت من المعضلات التي لم نهتد بعد لإيجاد السبيل للخلاص منها واتباع نظام سياسي ثابت نسبيا يمكننا من الحفاظ على وحدة المجتمع.
الانفجارات الجماهيرية الربيع العربي وثورة تشرين في العراق على سبيل المثال، لم تكن لولا الممارسات الفجة التي قام بها من تسلم زمام الأمور، واتخذ من الاستبداد مركبا للمكوث طويلا على كرسي الرئاسة، مما اضهد الشعوب المناضلة وجعلها تقدم الموت على الحياة، لإرساء العدالة وتحقيق السلم المجتمعي، فبرزت الثورة المضادة لنيل المُنى.
ونتوقع ان تحدث بالقريب العاجل انفجارات مشابهة لما حصل، ذلك لان من نادى بالديمقراطية ووجب تعزيز هذا المبدأ، خطى الخطوة الأولى بطريق الاستبدادية مخلفا وراءه هموم الشعب الذي اوصله لما هو عليه اليوم ليكون المحامي المدافع بدلا من الانتهازي المتناسي لأبناء جلدته والراقص على جراحهم.
تسيير أمور الشعب قد يكون من أصعب الأمور التي يمكن لفرد ممارستها، فمن يرغب بان يكون ضمن المركب السياسي عليه ان يجيد التجديف منعا للغرق المحتمل، والنضال لتحقيق اقصى قدر من الامن والاستقرار بأقل كمية من العنف وترويع الشعوب.
فقط السياسية هي الفن الذي لا يمكن تدريسه الا بجامعة الحياة، اذ يحتاج الى خبرة وممارسة لا تقل عن عقد او عقدين، يساعده بذلك العمل الجماعي بالفرق التطوعية والمنظمات المعنية بحقوق الانسان المحلية والدولية.
فلا تزال الفرصة سانحة وعلينا الا نفوتها بتشكيل النواة الأولى لبناء نظام سياسي مستدام يتسم بالثبات ومتمكن من الوقوف بوجه الهزات الاستبدادية، وبالمرحلة القادمة تقع على عاتق الجميع مسؤولية كبيرة والنظر بعمق لحماية العملية السياسية في البلد من سطوة الانتهازيين والمغامرين.
في العراق اذكر على وجه التحديد من يتولى زمام الأمور يتحول بين ليلة وضحاها الى مستبد ولا مانع لديه من التحول الى غير منصف بحق نفسه اولا، لأنه وضعها بهذه الزاوية وقد يقوم بظلمها مالم يكن على قدر المسؤولية، ويمتد عدم الانصاف تجاه الرعية الذين فوضوا امرهم لمن ينوب عنهم ويمثلهم في مراكز اتخاذ القرار، ليكفل لهم الحرية والكرامة وتحقيق الرخاء على مستويات عدة.
عندما تغير نظام الحكم في العراق الجميع ظن ان شمس الحرية اشرقت لتزيح العتمة التي جثمت على صدور الشعب سنين طوال، ولكن هذه الفرحة لم تدم سوى شهور معدودات، واخذت بالتلاشي عندما بدأت تتكشف نوايا الطبقة الحاكمة، وطُوقت الإرادة الوطنية بجدار المحاصصة الطائفية وتحولت القرارات الديمقراطية الى مواد استبدادية الزامية اُستخدمت لخدمة مصالحهم.
خير برهان على ذلك ما يمر به البلد في الوقت الحالي، اذ اثبتت العديد من التجارب ان لا استقرار يسود البلد ولا تستطيع الحكومة مزاولة مهامها، مالم يكون هنالك نظام برلماني رصين يتحكم فيه حزبين او ثلاثة كما هو عليه الآن الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة، وغيرها من الدول التي يتنافس فيها عدد قليل من الأحزاب على تشريع القوانين والنظر بما يخدم البلد.
النظام الديمقراطي الحالي لا يمكن ان يتقدم بتجاه تحقيق أهدافه والتي بضمنها القضاء على الفساد وتخفيض نسبة الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، بدون تحقيق مبدأ مهم من مبادئ العمل التشاركي بين جميع الجهات، شريطة ان تكون هذه الشراكة قائمة على منفعة الشعب وليس المصالح الخاصة، بعد ذلك سيزداد عود ديمقراطيتنا صلابة ويصبح أكثر قدرة على مواجهة رياح الاستبداد.
من يريد ان يُعمر طويلا يهتم بصحته جيدا للوقوف بوجه الامراض ومنعها من مهاجمة اعضاءه والنيل منها بصورة او بأخرى، ومثل ذلك العملية السياسية والنظام الديمقراطي لكي نحقق له الديمومة لابد من مراجعة الأخطاء بشل دوري لتتراكم الخبرات ونتلافى الهفوات وعندها يكون البلد قادر على مواجهة الفيروسات وطردها خارج الكيان المؤسساتي.
اضف تعليق