عندما تتابع كلمات وخطب اغلب المرشحين لتولي منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الامريكية... الطريق لزعامة العالم... سيما خطب الجمهوريين، تشعر بالإحباط الشديد جراء طريقة تفكيرهم وفهمهم لإدارة التعامل مع خطر الإرهاب العالمي المتمثل بتنظيم "داعش" في المقام الأول... وما يليه من منظمات وحركات متطرفة أخرى... قد تبدو اقل أهمية وانتشارا منه، والغريب ان اغلب من ترشح للرئاسة الامريكية القادمة في 2016، انتقد بشكل مباشر سياسية "اللا سياسة" التي يتبعها لمواجهة التنظيم، من دون ان يطرح المنتقدون أية خطة بديلة وحقيقية قد تتفوق على سياسة البيت الأبيض الحالي.
على سبيل المثال لا الحصر... كان اخر المرشحين، "دونالد ترامب" رجل الأعمال الثري، ورئيس مؤسسة "ترامب العقارية"، وصاحب برامج تلفزيونية شهيرة داخل الولايات المتحدة الامريكية، قد اعلن عن خطته التي لن يتردد في تنفيذها في حال فوزه بمنصب الرئيس... وبعد ان وجه النقد لإدارة أوباما، حاله في ذلك حال بقية المرشحين، قال ترمب بصوت عال "لا أحد يمكن أن يكون أشد على تنظيم داعش أكثر من دونالد ترامب، لا أحد"، مضيفا "مع جيشنا، ساجد الجنرال باتون، أو الجنرال ماك أرثر، سأجد الشخص المناسب، سأجد الشخص الذي سيأخذ ذلك الجيش، ويقوم بعمل حقيقي، لا أحد، لا أحد يمكنه أن يمنعنا من ذلك"، وتابع بيان خطته بالقول "عن طريق مصادرة ثروتهم... واسترداد النفط، مؤكدا أنه عند استعادة النفط لن يكون لديهم شيء، وأنه سيتم قصفهم ثم محاصرتهم، ثم احتلال مواقعهم، ثم جعل "شركاتنا النفطية الكبرى تدخل إلى هناك، وعندما تأخذ النفط، لن تبقي لهم شيئا".
مرشح جمهوري اخر للرئاسة القادمة... "جيب بوش"، شقيق الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش"، شن هجوما على سياسة التقارب الامريكية مع الروس... والتساهل الذي ابداه أوباما مع بوتين حيال ازمة "القرم" و"أوكرانيا" والتي اساءت لموقف الولايات المتحدة الامريكية كثيرا... من وجهة نظر "بوش" الذي قال عن بوتين "أظن أنه للتعامل أفضل مع فلاديمير بوتين، يجب علينا أن نقوم بذلك بشكل أكثر قوة. إنه بلطجي"، مضيفا انه "يمكن أن يتصرّف هذا الشخص بشكل سيء عندما تكون مختلفًا معه".
النموذج الثالث... هو حاكم ولاية تكساس السابق... والمرشح الحالي "ريك بيري" (الذي لم تنجح حملته السابقة للترشح عام 2012)، فكان أكثر جرأة من الجميع... فقد أكد انه "إذا تم انتخابي في منصب رئيس الولايات المتحدة، فأول شيء سأقوم به عندما أصل إلى المكتب الرئاسي، هو أن أمزق هذا الاتفاق"... ويقصد به الاتفاق النووي مع إيران... كما اتهم الرئيس الأمريكي "أوباما"... "بعدم الدخول في حرب واسعة ضد تنظيم "داعش" يعود إلى المفاوضات مع إيران، هذا الرئيس متصلب في موقفه حول توقيع اتفاق مع إيران، رغم أن ذلك يضع الكثير من حلفائنا في خطر"... وبخصوص استراتيجية "أوباما" حيال التصدي لتنظيم "داعش"... فقد اطلق وعدا اخر بالقوال "إذا ما وصلت إلى الرئاسة، فلن يأخذ مني القيام بشيء حيال تنظيم "الدولة الإسلامية" مدة تسعة أشهر"... ولا اعرف ما الذي سيفعله "بيري" في تسعة اشهر فقط!
لا اريد الاعتراض او التقليل من أهمية ما اقترحه جميع المرشحين للرئاسة الامريكية القادمة... في اغلبها برامج دعائية لكسب أصوات الناخبين، قد يتغير بعضها حال التصدي للمسؤولية العليا في البلد... لكن ما نريد فهمه عن طبيعة هذه الخطط ومدى تناسبها مع حجم الخطر الذي تتسبب به التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، هل هو تناسب واقعي... وهل المقاربة التي قام بها المرشحون لامست حقيقية المشكلة؟
خذ مثالا بسيطا على حجم الخطر الإرهابي لتنظيم "داعش"... داخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها... فخلال أسبوع واحد تم القبض على ثلاث شباب متعاطفين مع تنظيم داعش... وهم مواطنون ينتمون للولايات المتحدة الامريكية (كليفلاند، نيويورك، نيوجرسي) ... اعترفوا برغبتهم في تقديم الدعم للتنظيم بمختلف الوسائل المتاحة... بما فيها القيام بهجمات مسلحة ضد اهداف مدنية... فهل سيسر "ترامب" او "بيري" جيوش الولايات المتحدة لمقاتلة المتعاطفين مع "داعش" من المواطنين الامريكان داخل الأراضي الامريكية مثلا؟
في استطلاع أجرته محطة (CNN) الامريكية... اتضح ان 57% يرغبون بمرشح سيغير أغلب السياسات الحالية لإدارة الرئيس باراك أوباما... مقابل 41% قالوا إنهم يرغبون باستمرار هذه السياسات... ومع ان الفارق ليس بالكبير الا ان الجميع يتفق ان استراتيجية أوباما تحتاج الى المزيد من الزخم... خصوصا فيما يتعلق بمكافحة تنظيم "داعش" ومنع تمدده الى مناطق أوسع او استيلاءه على المزيد من الاراضي الجديدة... لكن لم يقل أحد ان العودة الى المربع الأول هي المطلوبة... خصوصا في هذا الوقت... سياسة "بوش" التي تعتمد على احتلال المدن والقصف وارسال الالاف من الجنود والتهديد والوعيد... سياسية أصبحت من الماضي، لا يمكن اعتمادها في الوقت الراهن لمكافحة تنظيم إرهابي طور نفسه واسلحته ليصل الى داخل الولايات المتحدة الامريكية من دون تذكرة سفر او تهريب المتفجرات او اعداد خطط لشن هجمات موسعة... كما ان اجبار الخصوم على الرضوخ بالقوة لم يأت بنجاح يذكر لسياسة الولايات المتحدة في العراق على سبيل المثال... بل زاد من سوء الأوضاع، ولعل "بيري" الذي ينادي بتمزيق الاتفاق النووي مع ايران، اول من اعترف بردود الأفعال السلبية عندما تفرط في استخدام القوة عندما قال أن "إيران هي من سلمت الأسلحة التي قتل بها جنودنا في العراق".
اعتقد ان الجمهوريين... ممن رشح نفسه لمنصب الرئيس للعام 20016 يمكنهم ان يتعاملوا مع المتغيرات الجديدة التي تؤكد على:
- الحرب الناعمة هي اقوى من الحروب "الخشنة" او التقليدية... وهي في صلب النهج العالمي الجديد لمفهوم القوة.
- "عقيدة المسؤولية" التي تؤمن بها الولايات المتحدة الامريكية في عهد أوباما... قائمة على مبدأ "الشراكة" مع الجميع من دون استثناء... اما الخلافات فيمكن تجزئتها او تبعيضها.
- خلق قوى جديدة في العالم والتعامل معها بصفة حليف او شريك... وعدم البقاء عند حدود الحلفاء التقليديين كما في السابق.
اضف تعليق