نلاحظ انزياحاً نحو التطبيع مع إسرائيل وبعض المطبعين لا يكتفون بالاعتراف بالكيان الصهيوني بل يؤيدون روايته ويسوِّغون شرعيته ويبررون كل ممارساته بل ويشككون بشرعية الرواية الفلسطينية، والأمر لا يقتصر على أشخاص عاديين تم غسل أدمغتهم بإقناعهم أن كل مشاكلهم اليومية من فقر وبطالة سيتم حلها...
حضور الأمير تركي الفيصل لندوة المنامة جنباً إلى جنب مع جابي اشكنازي وزير خارجية الكيان الصهيوني يعتبر في المنظور والتعريف التقليدي للتطبيع العربي الإسرائيلي تطبيعاً أو خطوة نحو التطبيع، إلا أن ما ورد في كلمته من توصيف لإسرائيل من حيث نشأتها وسياساتها تجاه الفلسطينيين والعرب عموماً يشكل صفعة للمهرولين نحو التطبيع وقد يؤدي لكبح جماح اندفاع بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع.
وإذا ما وضعنا أقوال الأمير تركي الفيصل مع موقف غالبية الأنظمة والشعوب العربية وما شاهدناه من ردة فعل الشعب المصري على التصرف الأهوج للممثل محمد رمضان، كل ذلك سيبدد بعض التخوف مما تروِّج له الدولة الصهيونية وبعض المطبعين العرب الجدد بأن العرب انهوا حالة مقاطعة إسرائيل وأن السلام سيعم المنطقة بدون الفلسطينيين وبدون تسوية الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم وبأن العرب باتوا يتبنون الرواية الصهيونية كبديل عن الرواية الفلسطينية، ومن يتبنى الرواية الصهيونية يصبح صهيونياً حتى وإن كان غير يهودي.
وصف الأمير تركي الفيصل لإسرائيل بأنها دولة استعمارية وامتداد للمشروع الاستعماري الغربي وحديثه عن ممارساتها العنصرية والإرهابية ليس مجرد كلام لمسؤول سعودي سابق بل يعبر عن ضمير الشعب السعودي والجيل المؤسس للمملكة، وحتى وإن لم يكن معبراً عن الموقف الرسمي فإنه يؤشر لوجود تباين في وجهات النظر داخل المؤسسة الحاكمة في المملكة، كما أنه يرد على بعض عرب الخليج المتسرعين نحو التطبيع تحت ضغط ترامب وإدارته.
يبرر بعض المطبعين الجُدد تصرفهم بأنه يندرج في سياق الواقعية السياسية وأن العلم يتغير وأن ما يحكم العلاقات بين الدولة هي المصالح المشتركة وأن على العرب أن يتعاملوا مع إسرائيل كما تتعامل غالبية دول العالم معها.!!
هذا المنطق والتبرير يتجاهل الاختلاف الكبير بين علاقة الدول الأجنبية مع إسرائيل عن علاقة العرب معها، وأن الأسس والمنطلقات المؤسِسة لعلاقة الغرب مع إسرائيل والصهيونية واليهود تختلف كلياً عن طبيعة علاقات العرب معهم، وأن الدعم الغربي للصهيونية ومشروعها في المنطقة يستند لاعتبارات دينية وتاريخية واستراتيجية وهي اعتبارات غير متوفرة في الحالة العربية، كما أن الواقعية السياسية لا تتناقض أو تتجاهل قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية التي تقر بعدالتها حتى دول الغرب والأمم المتحدة التي أصدرت عشرات القرارات الداعمة للشعب الفلسطيني والتي تؤكد دوما على أن إسرائيل دولة محتلة وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يقيم دولته على أراضيه في حدود 1967.
ما نسمعه من بعض العرب المتهافتين على التطبيع يثير القلق ليس لأن بعض الدول العربية تريد ان تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بل لأن في ثنايا بعض التصريحات والمواقف ما يشي بصهيونية غير يهودية جديدة، بعد موجة الصهيونية المسيحية، وهذه المرة يمكن تسميتها بـ (الصهيونية العربية الإسلامية)، وهذا ما يتطلب تسليط الضوء على مفهوم الصهيونية غير اليهودية ولماذا يجب الحذر والقلق من امتدادها للعقل السياسي العربي والإسلامي.
المقصود بالصهيونية غير اليهودية أو الصهاينة غير اليهود، كل من هو غير يهودي ووقف وساند الحركة الصهيونية وتبنى مشروعها الاستعماري العنصري بإقامة وطن لليهود في فلسطين.
كانت الصهيونية غير اليهودية مقتصرة على المسيحيين والغربيين، إلا أنه أخيراً ظهرت بوادر صهيونية غير يهودية مختلفة وهذه المرة من بعض العرب والمسلمين، حيث نلاحظ انزياحاً نحو التطبيع مع إسرائيل وبعض المطبعين لا يكتفون بالاعتراف بالكيان الصهيوني بل يؤيدون روايته ويسوِّغون شرعيته ويبررون كل ممارساته بل ويشككون بشرعية الرواية الفلسطينية، والأمر لا يقتصر على أشخاص عاديين تم غسل أدمغتهم بإقناعهم أن كل مشاكلهم اليومية من فقر وبطالة سيتم حلها في حالة التطبيع مع إسرائيل، بل يتجاوزهم إلى مسؤولين تجاوزوا حتى المواقف والسياسات الغربية ومواقف الصهيونية المسيحية نفسها في تمجيدهم للكيان الصهيوني وسياساته وفي التنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى تلك التي تقر له بها الأمم المتحدة والعالم الغربي.
الصهيونية المسيحية تمثل قناعات وسياسات لدول ومجتمعات مسيحية استعمارية تجد سنداً لها في كتبهم الدينية وتنتح من ذاكرة تاريخية لصراع ديني يعود لأيام الحروب الصليبية واستمر إلى مرحلة المد الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين ومن الطبيعي أن تكون معادية لحركات التحرر العالمي، ولذلك فإن خطابها ومواقفها لا تؤثر كثيراً على الرأي العام العالمي ولا على الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي على عدالة القضية الفلسطينية، بل إن جزءاً كبيراً من شعوبها لا تؤمن بمواقفها وتؤيد الشعب الفلسطيني كما يتبدى في المناسبة السنوية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحملات المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية لإسرائيل وغيرها من المواقف.
أما الصهاينة الجدد أو الصهيونية (العربية والإسلامية)، حتى وإن كان عددهم محدوداً، فإنهم أشد خطورة، وخطورتهم تكمن في أنهم من أبناء جلدتنا كمسلمين وعروبيين وفي أنهم يثيرون الشكوك ويطعنون بالمرجعيات والمواقف الدينية والقومية التي اعتمدت عليها القضية الفلسطينية عبر تاريخها، وكثيرون منهم مدفعون بأحقاد على الشعب الفلسطيني وعلى كل قوى التحرر والديمقراطية.
المشكلة في الصهاينة الجدد أنهم يخلطون ما بين نشدان السلام وهو مطلب إنساني لا خلاف عليه والوقوف إلى جانب كيان استعماري عنصري، فإن كانوا يريدون الاعتراف بإسرائيل وإقامة سلام معها لأي سبب كان فهذا شأنهم حتى وإن كان فيه إضرار بالمصلحة الفلسطينية وتجاوز لقرارات قمة عربية ومنها المبادرة العربية للسلام، ولكن ليس من حقهم أن يعادوا الشعب الفلسطيني ويتنكروا لعدالة القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني حتى يكسبوا ود إسرائيل.
اضف تعليق