ليست المرة، التي تمتد فيها الذراع الطويلة لإسرائيل إلى العمق الإيراني، فتطال عالماً، هو أبو البرنامج النووي الإيراني، مثلما طالت من قبله عدداً آخر من الأهداف النوعية والمرجح أنها لن تكون الأخيرة، طالما ظلت ردود أفعال طهران، مقتصرة على التهديد والوعيد، تاركة لنفسها أمر اختيار الزمان والمكان...
ليست المرة، التي تمتد فيها "الذراع الطويلة" لإسرائيل إلى العمق الإيراني، فتطال عالماً، هو "أبو البرنامج النووي الإيراني"، مثلما طالت من قبله عدداً آخر من الأهداف النوعية...والمرجح أنها لن تكون الأخيرة، طالما ظلت ردود أفعال طهران، مقتصرة على التهديد والوعيد، تاركة لنفسها أمر اختيار الزمان والمكان المناسبين لترجمة "ثأرها" و"انتقامها"...
إن لم تدفع إسرائيل الثمن، "من كيسها"، لن ترتدع، ولا يهم حكومة اليمين واليمين المتطرف، إن أقدمت إيران على ضرب أهداف بعيدة عنها، بذريعة أن "المعركة واحدة والعدو واحد"، كأن تضرب في العراق أو الخليج أو في أي مكان آخر... إسرائيل هي التجسيد الأكثر تطرفاً لقاعدة "من أمن العقاب أساء الأدب".
حرب إسرائيل على إيران، تصاعدت في ظل إدارة ترامب، كما لم يحصل قبلها، وغالباً بالتنسيق معها أو بضوء أخضر منها: ضربات لا تتوقف ضد أهداف إيرانية و"حليفة" في سوريا، حرب "سيبرانية" ضد منشآت اقتصادية وعسكرية، اغتيالات لعلماء، تحفزها وتشجع عليها، عمليات أمريكية من ذات الطبيعة، توّجت هذا العام، وفي مفتتحه باغتيال قاسم سليمان وأبو مهدي المهندس، وتتواصل هذه الأيام، بتوسيع قائمة الأفراد والمؤسسات المشمولة بنظام العقوبات الأمريكية، والتي طاولت بدورها، مروحة واسعة من حلفاء إيران و"حلفاء حلفائهم" كما في حالة الوزراء اللبنانيين الثلاثة.
الرد الإيراني، إن أًريد له أن يكون "رادعا"، يجب أن يصدر عن طهران، وليس عن أي من حلفائها أو "أذرعها" في المنطقة... ويجب أن يطال هدفاً إسرائيلياً، وليس حليفاً لإسرائيل أو الولايات المتحدة، ويجب أن يكون مماثلاً في نوعيته، فاغتيال رجل بحجم ومكانة محسن فخري زادة، لا يمكن الرد عليه، إلا بانتقاء أهداف بحجمه أو وزنه.
لكن مشكلة طهران الأولى، أنها لا تمتلك الأذرع الاستخبارية، ولا تكنولوجيا التعقب والتجسس، التي تتوفر لإسرائيل في هذا المجال، تبدو إسرائيل متقدمة على إيران بخطوات ومسافات... كان يمكن تعويضها، لو أن الفرصة و"الإمكانية" متاحة لطهران لتوجيه ضربة عسكرية لإسرائيل في عمقها، منها مباشرة وليس عبر حلفائها في لبنان أو غزة أو سوريا... طهران تواجه "قيداً" جغرافياً – تكنولوجياً، يجعل أمراً كهذا متعذراً.
وبمناسبة الحديث عن "الحلفاء"، فليس من المتوقع أن "يتطوع" أي منهم للقيام بردة فعل نيابة عن طهران... بيان حزب الله الغارق في "دهاليز" الداخل اللبناني، ترك الكرة في ملعب طهران، وحماس والجهاد معنيتان بالتهدئة، خصوصاً الأولى، أكثر من أي شيء آخر، والحشد الشعبي، لم يستطع أن يثأر لنفسه ضد ضربات إسرائيلية تعرض لها داخل حدود بلاده، حتى يثأر لإيران، أما "الحوثي"، فلا أظن أنه في هذا الوارد كذلك، وهو الذي يخوض معركته مع "التحالف" و"حلفائه" على غير جبهة، وبأقل قدر من الإمكانات العسكرية والأمنية المتاحة.
مشكلة إيران الثانية، ذات طبيعة سياسية، فهي تعلم أن ضربة لإسرائيل، ستستدرج ردة فعل عسكرية أمريكية مباشرة، وربما مؤلمة وواسعة النطاق، وهذا ما تسعى طهران في تفاديه، أقله في الشهرين المقبلين، إذ يبدو الرئيس الأمريكي "المهزوم" في انتخابات الداخل، بحاجة لمقارفة عمل مثير، أو الحصول على "انتصار مبهر" في الخارج، لا يبقيه "حاضراً" في عقول مناصريه ومؤيديه فحسب، بل ويُبقي الباب مفتوحاً أمامه لتجريب حظوظه في المستقبل... ترامب كـ"الذئب الجريح"، يزداد خطورة، في الداخل والخارج، كلما اقترب من موعد العشرين من يناير 2021.
لذلك تبدو خيارات إيران محدودة للغاية، إن لم نقل معدومة... فلا هي قادرة على تنفيذ عمل "استخباري" من النوع الذي أودى بحياة زادة، ولا هي راغبة، ولا مصلحة لها، في فتح الباب أمام تصعيد عسكري واسع، يمكن أن يستدرج واشنطن إلى ما يشتهيه ترامب وبقايا إدارته، ولقد كان الأخير واضحاً بالأمس، حين "غرّد" مهدداً، بأن المس بحياة أي جندي أمريكي، سيكون سبباً كافياً لاستثارة رد فعل أمريكي مدمر ضد طهران.
ما يهم إيران اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو أن تنقضي فترة الشهرين القادمين، بأقل قدر من الخسائر، من دون معارك أو مواجهات عسكرية واسعة، على أمل أن تفتح علاقاتها مع الولايات المتحدة، صفحة جديدة، بقيادة جو بايدن...هذا هو الرهان الإيراني الرئيس، الأمر الذي يدفع على الاعتقاد، بأن طهران، ستبتلع خسارتها لـ"أبو برنامجها النووي"، كما ابتلعت خسارتها لـ"أبو دورها الإقليمي" مطلع العام.
لكن توالي الضربات الإسرائيلية و"الأمريكية" من دون رد فعل كافٍ، أضعف وسيضعف صدقية إيران وقيادتها وحرسها الثوري، ويجعل من خطابها الناري المهدد والمتوعد، نسخة غير مزيدة وغير منقحة، عن تصريحات عربية مماثلة، اشتهرت بخاتمتها المعروفة: نحن من يقرر زمان الرد ومكانه، مع أن هذا "الزمان" لم يأت يوماً، وظل المكان مفتوحاً بلا خرائط.
لا شك أن العملية الإسرائيلية في قلب طهران، سيما أن أفلت الفاعلون بفعلتهم، كما حصل في مرات عديدة سابقة، من شأنها أن تضعف معنويات "المحور" الذي تقوده طهران، فضلاً عن سيل الأسئلة والتساؤلات التي تثيرها حول "انكشاف" الحالة الأمنية في الداخل الإيراني، والتي مكنت إسرائيل، من تنفيذ عدة عمليات، وليس عملية واحدة، من دون أن تنجح أجهزة طهران الأمنية من وضع يدها على شبكات التجسس والدعم اللوجستي، المتورطة في تنفيذ أعمال بهذه الدقة وعلى هذه الدرجة من الخطورة.
اضف تعليق