لا أشكُّ قيد انمُلة في ان نتائج الانتخابات البرلمانية التركية ستغيّر الكثير من السياسات الخارجية التي ظلّ يتبناها الحزب الحاكم طوال أكثر من عقد من الزمن، عندما نجح في الحفاظ على الأغلبية البرلمانية ليستفرد بالسلطة راسماً لوحده هذه السياسات المدمّرة من دون ان يعير المعارضة ايّ اهتمامٍ يُذكر، ما ورّط البلاد بمشاكل عويصة ستبدأ تترك بضِلالها على البلاد سواء على الصعيد الأمني او على الصعيد الاقتصادي وكذلك الاجتماعي.
لقد بدأ العدّ التنازلي للحزب الحاكم، ليدفع الفواتير المتراكمة، نتيجة تلك السياسات التي اضرّت كثيراً بعلاقات انقرة مع دول الجوار وخاصة العراق، الذي اتمنى ان يستفيد من الفرصة الذهبية السانحة لإعادة صياغة علاقاته الإيجابية مع تركيا على قاعدة المصالح المشتركة وعلى راسها الحرب على الارهاب.
الا ان ذلك لا يعني اننا سنشهد التغيير المرتقب في السياسة الخارجية التركية بين ليلة وضحاها، ابداً، فلقد بنى الحزب الحاكم خلال العقد الماضي من الزمن شبكة من العلاقات المتينة مع جماعات العنف والارهاب، فضلاً عن أخطبوط واسع من العلاقات المالية واللوجستية والدبلوماسية والسياسية مع عدد من أنظمة المنطقة الحاضنة للإرهاب، والتي يقف على راسها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، بالإضافة الى قطر، والذي ظل يمدّ حزب أوردغان بالمال تارة بمسمّى الاستثمار واُخرى بالدعم الاقتصادي، وكل ذلك من اجل تغيير سياساته الخارجية لتصبّ في صالح أجنداته في المنطقة والتي سخر الارهاب من اجل إنجازها، خاصة في العراق وسوريا ولبنان، والان في اليمن الذي يتعرّض منذ عدة اشهر لواحدة من أقبح انواع العدوان العسكري الذي فضح نفاق المجتمع الدولي الذي لازال يلتزم الصّمت امام كل هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها نظام القبيلة الفاسد والتي ترقى أكثرها الى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
لقد ظلّت عدد من أنظمة المنطقة تتبنى سياسة تغذية الارهاب لإبعاد شروره عنها، الا انّ تمدّد الارهابيين في المنطقة ووصولهم الى عقر دور عدد من هذه الأنظمة جعلها تبحث عن مخرج للورطة التي أوقعت فيها نفسها، ولا أُبالغ اذا قلت ان الراي العام في تركيا كان السبّاق للالتفات الى ورطته الكبيرة مع الارهاب بسبب سياسات الحزب الحاكم المستبد والمتفرّد بالسلطة، فنجح في معاقبته وتغيير المعادلة السياسيّة تحت قبة البرلمان ليطلق عملية التغيير المرتقبة في الخارطة السياسية وبالتالي في الاولويّات والمنهجيات، وعلى راسها السياسة الخارجية، وان كانت ستأخذ بعض الوقت.
كما ان تورّط دول مثل مصر في الارهاب هي الاخرى بدأت تفكّر بطريقة جديدة للتعامل معه، بعد ان يئس الجميع تقريباً من جدوى سياسة دعم الارهاب عن بعد للتخلص من مخاطره المحدقة، اذ ثبُت للجميع بانّ الارهاب لا يكتفي باللّعب في ساحة واحدة وفي جغرافية محددة ابداً، وانما هو يستهدف تدمير كل البلاد الواحدة بعد الاخرى.
تأسيساً على ذلك فانا اعتقد بأننا مقبلون على تنفيذ استراتيجيات جديدة في الحرب على الارهاب، سواء في ما يخص التحالف الدولي او الدول الإقليمية ودول المنطقة بشكل عام، اذ لم يعد بالإمكان احتواء الارهاب او التعايش معه بأيّ شكلٍ من الأشكال، بعد ان تضاعفت مخاطره على الجميع ومن دون استثناء.
يبقى ان أشير هنا الى ان نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة في تركيا هزمت، وبالضربة القاضية، احلام الرئيس أوردوغان الذي كان يخطّط بهدوء لإعادة امجاد الامبراطورية العثمانية مرة اخرى من خلال التعديلات الدستورية التي كانت ستساعده على تنصيب نفسه أتاتوركاً جديداً فيما لو نجح بالاستمرار في خططه بهذا الصدد، الا ان النّتائج دمّرت احلامهُ وقضت عليه حيّاً وميتاً.
شيءٌ واحدٌ يجب ان اعترف به هنا، هو ان التغيير المرتقب في تركيا، والذي سيأتي بشكل انسيابي، يعود فيه الفضل الى أوردوغان الذي لم يتشبّث بسياسة (بعد ما ننطيها) لانه في الأساس لم يرَ في نفسه لا مختار العصر ولا مختار الصبح، وهي نقطة تُحسب لصالح الديمقراطية الفتيّة في هذا البلد!.
اضف تعليق