الاصلاح السياسي للدولة العراقية ضرورة ماسة تفرضها عيوب التأسيس واخطاء الممارسة التي ادت الى اقامة نظام سياسي هش، فاشل، فاسد، غير قادر على تأمين رواتب موطفيه، دعونا الى الاصلاح السياسي مباشرة بعد تشكيل مجلس الحكم في ١٢ تموز عام ٢٠٠٣، لانه كشف انحراف العملية السياسية...
الاصلاح السياسي للدولة العراقية ضرورة ماسة تفرضها عيوب التأسيس واخطاء الممارسة التي ادت الى اقامة نظام سياسي هش، فاشل، فاسد، غير قادر على تأمين رواتب موطفيه، دعونا الى الاصلاح السياسي مباشرة بعد تشكيل مجلس الحكم في ١٢ تموز عام ٢٠٠٣، لانه كشف انحراف العملية السياسية التي انطلقت بعد سقوط النظام الدكتاتوري في ٩ نيسان من ذلك العام عن مسارها الديمقراطي نحو الطائفية السياسية، والمحاصصة، والمكوناتية. وليس ذنب دعاة الاصلاح السياسي المبكرين ان الناخبين خاصةً والناس عامةً لم يستمعوا الى تحذيراتهم، ودعواتهم المخلصة الى الاصلاح حتى "بحت الاصوات" كما قالت المرجعية الدينية التي اكدت ان "أنّ الاصلاح ضرورةٌ لا محيص منها".
وحينما قامت تظاهرات الاول من تشرين من العام الماضي اكتسبت الدعوة الاصلاحية القديمة زخما غير مسبوق، تمثل في انحياز شرائح شبابية واسعة اليها، الامر الذي دعمته المرجعية الدينية بشرط ان يتم الاصلاح " بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور"، كما قالت. ولم تكن الاهداف الاصلاحية حكرا على من تظاهروا، وانما هي اهداف وطنية عامة، وكررت القول بانه ليس من الصحيح استخدام عبارة "مطاليب المتظاهرين" لان هذا التعبير يبعث رسالة خاطئة بان هذه المطالب خاصة بالمتظاهرين، ولا علاقة للشعب بها.
لكن منذ البداية كان واضحا ان هناك من لا يريد الاصلاح، فسعى الى تخريب التظاهرات، ودس شعارات وافكار وممارسات في صفوف المتظاهرين هدفها تشويه المطالب السليمة، وحرف التظاهرات عن مسارها السلمي والحضاري، ومن ثم ركوب موجة التظاهرات، وسرقتها، وتحقيق اهداف لا تمت بصلة الى اصل الحركة الاصلاحية.
وشاركت في عملية سرقة التظاهرات قوى داخلية وخارجية مختلفة، في مقدمتها بقايا البعثيين والولايات المتحدة الاميركية. وبلغت عملية السرقة ذروتها بعد استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي حيث دخلت هذه القوى في سباق محموم مع الزمن للاتيان بشخص يكمل عملية السرقة واجهاض الحراك الشعبي الوطني من اجل الاصلاح. وللاسف، سجلت هذه القوى فوزا بالنقاط، وليس بالضربة القاضية، حين نجحت بتمرير تكليف مصطفى الكاظمي بتولي اخطر منصب في الدولة العراقية، وهو رئيس مجلس الوزراء، "المسؤول التنفيذي المباشر-حسب المادة ٧٨ من الدستور- عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته"، بما في ذلك تأمين رواتب موظفي الدولة. ولا يستبعد ان يكون ايصال الكاظمي الى هذا المنصب امرا مخططا له منذ تكليفه برئاسة جهاز المخابرات من قبل رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي الذي قد يكون هو الاخر ضالعا بهذه العملية، عن علم او جهل بها.
ومنذ اللحظات الاولى حاول الكاظمي التلبس بلبوس الحركة الاصلاحية، حتى بلغت ذروة ذلك في البيان الذي اصدره بذكرى مرور سنة على تظاهرات تشرين. فقد جاء في البيان الذي كتبه احد سراق الاهداف الاصلاحية للحراك الشعبي ان حكومة الكاظمي جاءت "بناءً على خريطة الطريق التي فرضها حراك الشعب العراقي ومظالمه وتطلعاته". وهذا ابلغ تشويه لصورة الحراك الشعبي التشريني حين تنسب الحكومة العاجزة عن تأمين الرواتب نفسها اليه زورا وبهتانا، خاصة وان البيان يواصل مزاعمه بالقول: "كنا ومازلنا أوفياء لحراك تشرين و مخرجاته السامية"، متغنيا بان "تشرين في القلب والضمير، حراك للإنسانية جمعاء من منبع الفكر الإنساني وهويته الرافدينية." وليس من الصعب توقع الرسالة الخاطئة التي تتضمنها هذه العبارات المخادعة الى الشعب. فاذا كانت هذه هي حكومة تشرين، فتعسا لها وهي تعجز عن توفير ابسط متطلبات الناس، لتطيل من امد المعاناة التي كانت التظاهرات تأمل بوضع حد لها وهي تنادي: "نريد وطنا"!
اضف تعليق