يبدو من الجدل الدائر في قبة البرلمان حول الدوائر الانتخابية، أن لا نية للجماعة، هذه المرة، وكما في المرات السابقة، لنكران الذات والترفع عن المصالح الضيقة، والتخلي عن التحالف مع الفاسدين لإصلاح الحال والنهوض بالبلاد من كبوة طالت كثيرا، وكابد العراقيون جراءها الأمرّين موتا وفقرا وذلا...

يبدو من الجدل الدائر في قبة البرلمان حول الدوائر الانتخابية، أن لا نية للجماعة، هذه المرة، وكما في المرات السابقة، لنكران الذات والترفع عن المصالح الضيقة، والتخلي عن التحالف مع الفاسدين لإصلاح الحال والنهوض بالبلاد من كبوة طالت كثيرا، وكابد العراقيون جراءها الأمرّين موتا وفقرا وذلا، وكلهم يعرفون ان تحقيق انتخابات عادلة ونزيهة تأتي بالأكفاء لا يمكن لها التحقق الا مع الدوائر المتعددة، لكنهم يدركون ان هذه الآلية قد تستبعد الكثير منهم، لذا أشك في اقرارهم لها الا تحت الضغط.

فالعراقيون لم يروا منهم ما يستحق أن يُشار له ، بل في زمنهم وصلت البلاد الى أسوء ما يمكن ان يصل اليه بلد في المعمورة، ومع ان تجربتنا السياسية ليست بالقصيرة، الا ان أحدا من الذين قدر لهم مسك زمام الأمور لم يسأل نفسه، لِمَ الناس تطارده باللعنات، ولا ترغب بإعادة انتخابه، مع ان لا مواقف سياسية مسبقة لديها ازاءه، ويتذكر البارزون منهم كيف استقبلتهم الجموع بالأحضان يوم وطئت أقدامهم الوطن، وكيف استبشروا خيرا بالنظام الديمقراطي الذي حلموا به على مدى عقود، لكنهم يريدون فعلا على الأرض، يتطلعون لأمن مستتب وحياة هانئة، كما هي شعوب الأرض، ودولة مدنية تؤآخي بين جميع ألوان طيفها، فالعراقيون يدركون ان جمالهم بتنوع ألوانهم، وليس بسبي وتهجير الاخوة، وصبغ المناطق بلون طائفي واحد.

يأملون بعدالة وحرية اجتماعية، فهما جوهر الديمقراطية، وليس سلاحا منفلتا يطارد المختلفين سياسيا والميسورين ماليا وحرمان البلاد من فرص استثمار يمكنها تحريك اقتصاد راكد، وكل ذلك يتعذر تحققه مالم يصل الأكفاء والمخلصون لدوائر صنع القرار، وأولها البرلمان، الذي نريده ممثلا حقيقيا للشعب وليس للحزب او الطائفة او القومية، ألا يخجل البرلمانيون عندما يشرعون ما يحفظ مصالحهم حتى وان خرّب البلد وآذى المجتمع.

وكان كثيرون قد صرخوا بأعلى أصواتهم، يا جماعة الخير: ان الامور بحاجة الى مراجعة بدءا من الدستور وانتهاء بقانون الانتخابات ومجلس مفوضيتها، فالآليات الديمقراطية الهشة تعمق الصراع على السلطة، بينما تخفف متانتها من حدته وتسهم بالاستقرار وتكافؤ الفرص بين الراغبين بالعمل في المجال السياسي، لكن أحدا لم يسمع لذلك الصوت حتى انفجر الشارع، ليعبر عن صراخ أمة مقهورة بكل ما يحمله من أحلام التغيير، وبدل أن يُستجاب لمطالب الاصلاح، وتعديل المسارات، ومحاربة الفساد، صار البعض يكيل له الاتهامات بالعمالة لهذه السفارة الأجنبية او تلك، واسترخصوا دماء الشباب الذين للتو عادوا من مقاتلة داعش. واتهموهم بالسعي لتغيير النظام مع ان مطالب الاصلاح لا تعني ذلك أسأل جميع السياسيين، أي من مطالب الشباب غير شرعية؟، فهل الواقع الخدمي مثالي، هل فرص العمل متوافرة، هل قانون الانتخابات عادل ونزيه ومحصن ضد التزوير، هل الذين يقودون مؤسساتنا من الأكفاء، هل انخفضت نسبة البطالة، هل تراجع مستوى الفقر، هل البنى التحتية لائقة؟، لا أظنكم قادرين على الاجابة بالنفي، اذا استجيبوا للمطالب ولا تنقلبوا عليها.

الفرصة الآن سانحة ومبررة لمراجعة الكثير من الآثام التي ارتكبت خلال ما مضى من سنوات، وأولها تشريع ما يضمن نزاهة الانتخابات وعدالتها، وهو ما طالت به المرجعية الرشيدة، وان جانبا من النزاهة والعدالة يكمن في الدوائر المتعددة، وليس في الدائرة الواحدة او الدوائر الوسطية كما ترغبون، نريد للناخبين انتخاب مَنْ يعرفون، ومَنْ يمثلهم حقا، وليس اعطاء أصواتهم لمجهولين، فعدم معرفة المرشحين يقلل من حماس المشاركة في الانتخابات، واعلموا ان في الانتخابات الحقيقية حماية للجميع بما في ذلك الذين يخسرونها، وآمل ألا نمنح المتربصين بالعراق ذريعة للتلاعب بمصيرنا وتعريض شعبنا لويلات تضاف لما مر من مآس.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق