لن ينجحَ المرءُ إذا ظلّ مسكوناً بأمرين، لأنه لن يتغير في هذه الحالة ابداً، والتغيير اول شروط النجاح كما هو معروف:
الامر الاول؛ هو التاريخ وعُقدَهُ، يتوقف عنده ولا يستوعب المتغيرات، ناسياً او متناسياً؛
الف؛ انه لم يصنع هذا التاريخ ابداً، وهو ليس جزءاً منه بأيّ شكلٍ من الأشكال، فلماذا يتحمّل وزره ويدفع ثمنه؟.
اننا تاريخٌ للمستقبل، اي اننا نصنع تاريخاً للأجيال القادمة، ولذلك علينا ان نعرف ايّ تاريخٍ نصنع؟ ايَّ تاريخٍ سيرثهُ مناّ الجيل القادم؟ اما ان نظل نعيش التاريخ ونجلد انفسنا بسبب عُقدهِ ومشاكله ومصائبه، فذلك امر لا ينفع في شيء ابداً.
ان الله تعالى خلقنا مشروع مستقبل وليس مشروع ماضي.
باء؛ ولانّنا لسنا من صَنَعَ التاريخ وليس لنا دخل فيه ابداً، ولذلك فليس بيدنا ان نغير منه شيئاً، مهما فعلنا ومهما بذلنا من جهد ومهما جلدنا ذواتنا.
نعم، انّ بيدِنا ان نغيّر واقعنا وحاضرنا لنغيّر التاريخ الذي نريد ان ندونه للأجيال القادمة، ولذلك علينا ان نغير ونبدل ونُصْلح ونصحّح لحظتنا الحالية لنكتب بها تاريخاً مشرقاً وابيضاً للمستقبل.
جيم؛ انّ التاريخ عِبرة ودرس وتجربة وخبرة، فلماذا نحوّله الى عُقد تأكل بِنَا [عقولنا، افكارنا، خططنا، مشاريعنا] وكل كياننا؟.
والتاريخ على نوعين؛ عام باعتباره تجارب انسانية مطروحة امام القاصي والداني للاستفادة منها، وخاص لفئة دون اخرى باعتبار الخصوصية والعوامل والتفاصيل والمرحلة.
اذا بقي المرء مسكوناً بالتاريخ لا يفارق عقله ومشاعره وكلّ كيانه فسوف يموت كمداً وحسرة لأنه يريد تغيير التاريخ ولن يقدر ابداً، ولذلك فسيقضي عمره كله يفكّر بالماضي كيف يُصلحه؟ وكيف يغيّره؟ وكيف يعيد كتابته وصياغته؟.
ليس عاقلٌ من يفعل ذلك ابداً!.
علينا ان ننشغل بواقعنا لبناء مستقبلنا، خيرٌ لنا من ان ننشغل بالماضي، الاول نحن نصنعه ولذلك فالانشغالُ به حقٌ وواجبٌ، اما الثاني فلسنا من صنعهُ وليس لنا القدرة على التأثير فيه او تغييره، ولذلك فالانشغال به عبث لا طائل من ورائه!.
الامر الثاني؛ هو نظرية المؤامرة، فاذا انتقدك احدٌ فهو متآمر! واذا نظر اليك احدٌ بطرفٍ خفيٍّ فهو متآمر! واذا سالك احدٌ فهو متآمر! واذا تساءل احدٌ فهو متآمر! واذا اختلف معك احدٌ فهو مدفوعٌ من الخارج متآمر، واذا لم يصفّق لك احدٌ بعد كل فقرة من الخطاب فهو متآمر! اما الصهيونية العالمية والاستكبار العالمي والشرق والغرب والعرب والعجم والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي وكل العالم بقارّاته الخمس، فهم متآمرون بلا نقاش او جدال! ومَن يختلف او يشك بهذا الثابت فهو الاخر متآمر!.
ان المسكون بنظرية المؤامرة، لا يسمع نصيحة، ولا يقبل نقداً ولن يُصغِ الى الراي الاخر، خاصة اذا كان مزعجاً بالنسبة له، فتراه يجمع حوله النفعيّين والوصوليّين الذين يُسمعونه الكلام الذي يريدُهُ وليس الكلام الذي يجب ان يسمعه، فتكون النتيجة انهم سبب تدميره وتكريس هزائمه وفشله الذي يجمّلونه له، ولنا في قصّة (مختار العصر) افضل تجربة وأحدثها على هذا الصعيد!.
ان يكون المرء مسكوناً بنظرية المؤامرة، يعني انه؛
الف؛ يبحث عن حجج وأعذار لتبرير فشله وتقاعسه وكسله.
باء؛ ولتبرير عجزه عن فهم آلية الصراع بين الخير والشر فيما يُعرف بتحدّي الإرادات.
جيم؛ وكذلك عجزه عن حماية مصالحه الوطنية العليا في هذا العالم الذي يعيش تحدي الإرادات ليل نهار.
دال؛ فضلاً عن عجزه في استيعاب المتغيّرات المتسارعة التي يشهدها العالم وخاصّة على صعيد العلاقات الدولية.
ان الايمانَ المطلق بنظرية المؤامرة هو ملجأ الفاشلين العاجزين الذين لا يجدون حلاً لمشاكلهم ولا يجدون الوسائل اللازمة والمطلوبة لمواجهة التحديات.
لا احد ينكر النظرية، العاقل والمجنون على حد سواء، الا ان العاقل يستوعبها بحلول عملية وواقعية تحفظ مصالحه ولا تفرّط بأصوله، اما المجنون فينام على إيقاعاتها هرباً من تحمّل المسؤولية وتبريراً للفشل والهزيمة.
فضلا عن كل ذلك، فالملاحظ عند من تسكن فيه نظرية المؤامرة، انه يسعى للتنظير للآخرين وكأنّه يرسم لهم مهامّهم وواجباتهم ويحدد لهم ما يجب عليهم فعله وما ينبغي عليهم تجنّبه! من دون ان يزاحم نفسه، ولو للحظة، ليجيب على السؤال المحوري؛ وماذا بشأني؟ ماذا عليّ انا فعلُه؟ ما الذي يجب عليّ ان انجزه؟ سواء كمشروع لحماية المصالح العامة او كخطوات لإفشال مؤامرات الاخرين وخططهم؟!.
ولطالما ضحكتُ وانا اقرأ للعرب تحديداً وللعراقيين على وجه الخصوص وهم يتحدثون او يكتبون عن خطط اميركا وإسرائيل وغيرهما، تنظيراً واملاءاً، بشأن كل قضية من قضايانا المصيرية، وكأنهم يعرفون مصالح واشنطن اكثر من اوباما نفسه! او انهم اكملوا مشروعهم وبقي عليهم ان ينظّروا لغيرهم!.
خذ مثلاً على ذلك، النقاش المحتدم بين العراقيين بشأن الحرب على الارهاب، فكلّهم يتحدثون عما تريده وعما لا تريده واشنطن وحليفاتها في هذه الحرب ومنها! وعمّا اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية جادّة او غير جادّة في طرد الارهابيين من العراق وتحرير الموصل مثلاً؟ ولكن لا احد يجرؤ على طرح السؤال التالي؛
هل نحن العراقيون، جادّون في طرد الارهابيين من بلادنا وتطهير اخر شبر من ارض العراق من دنسهم؟!.
اتمنى ان ينشغل العراقيون بالبحث عن واجباتهم ومشاريعهم وادواتهم، من دون الانشغال بواجبات الاخرين، فكلٌّ اعرف بها من غيره!.
اضف تعليق