يرتبط نكران جميل العراق بسياسة خارجية بائسة وغير حريصة، وفشل اعلامي في رسم صورة ايجابية عن بلادنا، وهذه مهمة العلاقات العامة للدولة التي لم تخطر على بال مسؤولينا، عموما لا نريد لمسؤول ان يتبرمك برأسنا ، لذلك يجب الحصول على موافقة الشعب لأي مساعدات خارجية تقدمها الحكومة...
وقع انفجار مرفأ بيروت كالصاعقة على العالم، وتصدر نشرات الأخبار في مختلف وسائل الاعلام، وحظي بتغطيات مباشرة من فضائيات عربية وأجنبية، تفننت أيما تفنن في تقديمه للجمهور، بلقطات احترافية لا يمكن لها أن تغيب عن الذاكرة، فالانفجار كان مهولا، وحرك من المشاعر أشدها تأثيرا في النفوس، بالمقابل هبت الحكومات عن بكرة أبيها لتقديم المساعدات لأهالي بيروت الذين وجدوا أنفسهم في لحظة بلا مأوى، وكانت قوافل المساعدات العراقية الأولى وصولا للمدينة، ومع ذلك سقط اسم العراق من قائمة البلدان المساعدة ، وتداركها الجيش اللبناني لاحقا بان ذلك حدث سهوا .
وبالرغم من ان العراق لم يتخلف يوما عن نجدة أشقائه وأصدقائه مهما كان بعد الجغرافيا حتى وان كلفته تلك النجدة دماء غزيرة، الا ان اسمه للأسف يسقط سهوا، او يتنكر له البعض صراحة، او يطويه التناسي، وكثيرا ما انتظر العراقيون من هؤلاء الأشقاء والأصدقاء مواقف في مفترقات سياسية حاسمة، لكن الانتظار ينتهى دائما الى ذهول واحباط، والاحتلال الامريكي خير مثال، فسرعان ما أدار الجميع الظهر للعراق، وتركوه يسبح بالدماء على مدى عشرين عاما .
ولم يبق أمام العراقيين سوى التندر من سياسة المساعدات التي انتهجتها حكوماتنا على مدى تاريخ الدولة، مع انهم كانوا في أحيان كثيرة أحوج لها من غيرهم، ولست بمعترض على مسح دمعة بيروتية او دمشقية او غيرهما، فالكرم ونكران الذات سمة عراقية ، ولا يليق بنا سوى ذلك، لكني أطرح تساؤلا يتداوله أهلنا في أحاديثهم الخاصة : لم تزاحم العالم على مساعدة لبنان في محنته، بينما لم تشهد بلادنا مثل هذا التزاحم مع انها تعرضت لجرائم تفوق ما جرى لبيروت أضعافا مضاعفة ؟، فعدد الضحايا في انفجار مرفأ بيروت بلغ (153) ضحية، بينما جريمة سبايكر (1700) شهيد، كما لا يمكن مقارنة ما حدث لمدينة الموصل بما حدث لبيروت، ويذكر البغداديون ان انفجار الكرادة لوحده خلف من الخسائر البشرية ضعف انفجار بيروت، فضحاياه البشرية بلغت أكثر من (300) شهيد .
أفهم تماما ان بعض المساعدات تأتي بدوافع انسانية وليس سياسية، ومع ذلك لابد أن تكون لها جدوى، وليس كما يقول مثلنا ( ....... ) .
لقد اغرم صدام بمصر، وقدم لها من المساعدات ما لا تعد ولا تحصى، فإحياء مكتبة الاسكندرية لوحدها خصص لها (21) مليون دولار أواخر الثمانينات، وكان أكثر المتبرعين العرب، وفتح أبواب العراق على مصاريعها للملايين من عمالها، فضلا عن دعم معنوي استثنائي، فللمصريين ما للعراقيين من حقوق، أليس هو القائل : أي اعتداء على مصري يعد اعتداء عليه شخصيا، وتميز تعامل العراق معهم عن سواه من البلدان العربية، بل من الدول من عدتهم خدما، وتلقوا منها ما لا يتلقاه العبيد من معاملة، ومع ذلك جاءت مصر في مقدمة الدول المساندة للاحتلال، ومررت من القرارات ما أحرق العراق، وفي الوقت الذي يصطحب رجال أمن المطار السائح الخليجي ليمر معززا مكرما عند تأشير جوازه، يقف العراقي ذليلا منكسرا خائفا في دولة يقول شرفاؤها ( ان لحم أكتافنا من خيراتكم )، نعم، التوازنات والمصالح هي الحاكمة في السلوك السياسي، ولكن اكرر السؤال : ما جدوى المساعدات التي يقدمها العراق ؟. نعطي نفطا بأسعار تفضيلية لهذه الدولة او تلك بناء على قرارات عاطفية وعلاقات شخصية بين المسؤولين، وبعضها تحسبا لمتغيرات الزمان، بينما يتحسر شبابنا على فرصة عمل تؤمن لهم حياة كريمة .
يرتبط نكران جميل العراق بسياسة خارجية بائسة وغير حريصة، وفشل اعلامي في رسم صورة ايجابية عن بلادنا، وهذه مهمة العلاقات العامة للدولة التي لم تخطر على بال مسؤولينا، عموما لا نريد لمسؤول ان ( يتبرمك برأسنا )، لذلك يجب الحصول على موافقة الشعب لأي مساعدات خارجية تقدمها الحكومة .
اضف تعليق