من غير المعقول ان يكون توقيت الانفجار عفويا، فهو مدروس ومخطط له بصورة دقيقة، والدليل على ذلك هو ان اغلب التصريحات التي ادلى بها المعنيون حول الحادث أكدت وجود المواد القابلة للتفجر منذ سنوات في احدى مخازن المرفأ، إذن لماذا لم تتعرض لمثل هذا في السنين الماضية؟...
لا يزال اللبنانيون يعيشون الصدمة ولم يفيقوا منها جراء الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب الجاري، وهز جميع الأراضي اللبنانية وصولا الى بعض دول الجوار، ويصنف الانفجار على انه ثالث أقوى انفجار عرفته البشرية في العقود الاخيرة؛ ذلك نتيجة لحجم الخراب الذي اوقعه بالممتلكات العامة والخاصة.
الحدث تعاطفت معه اغلب المجتمعات الإنسانية، وكذلك أحدث أصداء على المستوى الإقليمي والدولي، اذ نرى بعض الدول أرسلت المساعدات الطبية وغيرها مما يخفف من وقع الحدث في النفوس، وإشعار الشعب اللبناني بان قلوب شعوب العالم تنبض معكم وتحزن لحزنكم.
ليست المرة الأولى التي يحصل فيها انفجار ويذهب نتيجته عدد من الضحايا، لكن ما جعل نسبة التعاطف هذه المرة ترتفع هو الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، فهي تمر بحالة اقتصادية متدهورة الى ابعد الحدود؛ نتيجة انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والركود الذي خيم على القطاع السياحي.
وفرض الوضع الجديد حالة معيشية حرجة للغاية على المواطنين الذين تركوا اغلب أعمالهم نتيجة لتفشي وباء كورونا، فبات الأفراد عاجزين عن توفير لقمة العيش وتوفير متطلبات الحياة اليومية، وترك حياة الترف والرفاهية التي كانوا ينعمون بها في الامس القريب، ويمارسون حياتهم كغيرهم من شعوب العالم بشكل طبيعي ودون موانع او صعوبات.
للحدث الأخير بالتأكيد تأثيرات اقتصادية فهو لم يكن خفيف الظل على لبنان بل سيلحق بها الكثير من الأضرار الناجمة عن حركة التجارة فيها، وضعف التبادل التجاري، اذ سيؤثر على تأخر وصول البضائع اليها عن طريق هذا المرفأ الذي يعد الاهم في البلاد.
فمن الممكن ان ترفض بعض الدول او تطلب ضمانات لسلامة بواخرها المحملة بالبضائع المختلفة، وهذا التأخر في وصول السلع والخدمات الى لبنان سيكون عبئا إضافيا لما يعانيه المواطن جراء الظروف التي تكالبت عليه ولم يعرف متى الخلاص منها في ظل المضايقة الدولية التي كبدت لبنان الكثير من الخسائر ولا تزال القائمة طويلة، والسبب في ذلك هو ميولها لمحور الشرق اكثر من المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ان بعض النكبات التي تعيشها الشعوب تم توظيفها سياسيا، والاستفادة منها لصالح الدول المتنفذة او التي تحاول ان تدير الدفة، وفي هذا الصدد عملت وسائل اعلام تابعة المحور المعادي لايران على إلصاق التهمة بحزب الله المتنفذ في لبنان والذي تربطه علاقات قوية بالجمهورية الإسلامية.
هذه التهمة في حال تم ترسيخها لدى الجمهور الداخلي والخارجي معا فانها ستلقي بظلالها السلبية على شعبية الحزب، في الوقت الذي يواجه فيه الجبهة الداخلية الثائرة نتيجة سوء الخدمات ووضع البلاد المتردي يوما بعد آخر، حيث يعزي عدد كبير من الأفراد الخراب الحاصل هو نتيجة التقرب من ايران وتقوية جبهتها.
من غير المعقول ان يكون توقيت الانفجار عفويا، فهو مدروس ومخطط له بصورة دقيقة، والدليل على ذلك هو ان اغلب التصريحات التي ادلى بها المعنيون حول الحادث أكدت وجود المواد القابلة للتفجر منذ سنوات في احدى مخازن المرفأ، إذن لماذا لم تتعرض لمثل هذا في السنين الماضية؟
هذا التوقيت يعتبر من اهم التوقيتات وأكثرها تحريكا للرأي العام الداخلي، لاسيما وأنه يكتوي بنار العوز، ويعاني شضف العيش، وبالتالي يتم الاستفادة من هذه الظروف في تأليب الجماهير الداخلية وحشدها للانتفاضة على الرموز المتحكمة في مصير البلد والأحزاب الدينية الموالية لجهات خارجية وتعمل وفق ما تقتضيه مصلحتها العامة.
المحور المعادي لايران في الوقت الحالي يحاول قدر الإمكان توظيف هذه الظروف لصالحه، والدفع باتجاه ان السبب وراء ما تمر به بعض الدول العربية هو التدخلات الإيرانية وبالتالي فهي تراهن على الرفض الداخلي لمثل هذه التدخلات والتلاعب بمصير الشعوب.
فمن المتوقع ان تواجه ايران في الأيام القادمة موجة رفض شعبية على المستوى الداخلي مثلما حصل في العراق أيام ثورة اكتوبر، اذ بان الرفض للوجود الإيراني بشكل صريح ولم تترد الجماهير الثائرة عن توجيه اقسى عبارات اللوم وتحميلها نتائج ما يمر به البلد مؤخرا.
اذا ارادت لبنان ان تعيش بسلام عليها أولا ان تقطع أصابع التدخل الخارجي الذي بسببه وصلت الى هذه الأوضاع المزرية، نقص واضح بالخدمات، انهيار كبير للعملة، تناحر داخلي على المستوى السياسي، ولا يستطيع احد التنبوء بمستقبل البلد.
انفجار المرفأ من الممكن ان نعده جرس إنذار للجبهة الموالية للخارج مفاده الكف عن مصافحة اليد الشرقية، وفي حال لم تتراجع عن ذلك ستشهد الأيام القادمة احداث اكثر تأثيرا ووقعا على الشارع اللبناني.
اضف تعليق