q

من وجهة النظر الامريكية، فإن الحرب على الإرهاب، او تنظيم "داعش"، لن تنتهي قريبا... حيث كان المتحدث باسم الخارجية الامريكية "جون كيربي" واضحا في طرح ثلاثة مسارات رئيسية للحرب تتمثل في:

- اعتبار "داعش" تنظيم خطير للغاية (بعد ان كانوا مجموعة من الهواة في نظر الرئيس الأمريكي "أوباما")، و"سيتمكن من السيطرة على مناطق جديدة، لا يوجد شك في ذلك".

- ان "عمليات التحالف قد تستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات" أخرى ربما لتحجيم تمدد التنظيم في العراق وسوريا.

- اعترافه بنوع من التقصير في عدم "النظر إلى الصورة العامة وعدم اقتطاع أنباء معينة وتقييم عملياتنا من خلالها"، وكان المثال في ذلك قوله "لم نأخذ سقوط الرمادي بصورة جدية وكذلك السيطرة على تدمر"، والتي جرت بالتزامن من قبل التنظيم.

لكن "كيربي" أصر على مسالة "الصبر الاستراتيجي" التي تتبعها الولايات المتحدة الامريكية في قيادة التحالف الدولي للقضاء على التنظيم، مؤكدا نجاح هذه السياسية في حال تم ربطها بالحل السياسي المزمع الوصول اليه في نهاية المطاف لحل الازمة السورية او دعم استقرار العراق من خلال تعزيز جهود "المصالحة الوطنية".

إذا كان الحال كذلك بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، في صبرها الاستراتيجي بعيد المدى، وهي تضرب عناصر التنظيم في الأراضي العراقية كما في الأراضي السورية، من دون ان تنظر الى الصورة العامة، فان هناك من ينظر الى تلك الصورة العامة ويربط الاحداث بعضها بالبعض الاخر، فالجنرالات الإيرانية تستعد، (على ما يبدو من التسريبات التي تناقلتها وسائل اعلام قريبة من التيار المحافظ في إيران)، لإحداث مفاجأة قد تعدل "ميزان التوازنات" الذي رجح خلال الأشهر الماضية لصالح تنظيم داعش، وجبهة النصرة التي تحالفت مع عدد من الفصائل الإسلامية تحت مسمى "جيش الفتح" وسيطرت على مساحات واسعة في شمال وجنوب البلاد، وكانت الزيارة الأبرز لسوريا لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء "قاسم سليماني"، الذي نسبت اليه التصريحات الأخيرة.

الامريكان لم يعقبوا على هذه التحركات الإيرانية حتى الان.. وتسارع الاخبار الواردة من سوريا يلمح الى دخول مقاتلين واسلحة وخطط عسكرية مدروسة بعناية قد تعيد "التوازن" من جديد، سيما وان حزب الله قد بدأ من أسابيع بعملية تطهير القلمون وتامين الحدود السورية- اللبنانية، إضافة الى دعوته الى العشائر التي تسكن البقاع لحمل السلاح وتشكيل "حشد شعبي" لمواجهة الإرهاب في "عرسال" والاستعداد لحملة تنظيف واسعة النطاق.

إشارة ثانية يمكن ربطها بالصورة العامة التي أشار اليها "كيربي".. لكنها من تركيا هذه المرة.. فالأسلحة التي وصلت الى ايدي المقاتلين في سويا وغيرت "التوازن" في سوريا.. كان مصدرها نظام اردوغان.. بعد حدوث نوع من التوافق السعودي-التركي-القطري لتسريع اسقاط نظام الأسد، وهو ما يتفق عليه الثلاثة مجتمعين.. لكن الغريب في الامر.. ان فضيحة مدوية كشفت كذب النظام التركي واردوغان تلقفتها وسائل الاعلام الداخلية والخارجية بإسهاب مع موعد الانتخابات والتوقعات التي رشحت عدم حصول حزب اردوغان على الأغلبية المطلوبة من المقاعد... فمن كان المسؤول عن هذا التسريب يا ترى؟

في العراق أيضا سقطت "الرمادي" كما كان متوقعا لها منذ زمن طويل.. العبادي في مؤتمر باريس القى اللوم على التحالف الدولي والولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي.. الولايات المتحدة الامريكية بالمقابل القت بجزء من المسؤولية على الجيش العراقي والحكومة العراقية بعد ان المحت ان جهود المصالحة الوطنية تحتاج للمزيد من الجهد.. تبادل الاتهامات.. وتأخير صفقات الأسلحة الى العراق واتهام "الحشد الشعبي" بممارسة انتهاكات تستهدف المدنيين "السنة" وضعف الضربات الجوية لقوات التحالف، وغياب استراتيجية واضحة تستهدف التنظيم على حد قول الكثيرين...الخ، كلها وغيرها قد لا تعدو مجرد اقاويل او حجج ربما يراد تسويقها لإخفاء الكثير من الحقائق.

اغلب الظن ان ما يجري في سوريا ومن ثم في العراق من عمليات الكر والفر في قتال تنظيم داعش وإعادة "التوازنات" المخترقة بين الحين والأخر، تعني رغبة أمريكية في الاستفادة من الأوضاع الحالية، ربما للفترة القادمة (3-5) سنوات.. والسبب في ذلك ربما يعني، أيضا، اكمال ما ترغب الولايات المتحدة الامريكية في رؤيته للمنطقة من "شرق أوسط جديد" يتناسب وطريقة الإدارة الجديدة التي جاء بها أوباما الى العالم، واعتمادها على "الصبر الاستراتيجي" لأوباما التي تحمل لأجلها جميع الانتقادات والهجوم على ادارته وطريقة تفكيرها لقيادة العالم الجديد والشرق الأوسط الجديد.

قد تبدو هذه القراءة قريبة من الغلو او دهاليس المؤامرة.. لكن الولايات المتحدة التي تفكر بواقعية قد تستفيد حتى من أقرب اعدائها.. وقد تحول الخصومة والحرب الى سبب اخر لنجاحها، ويبدو ان هذا ما يفعله أوباما.. يسمح للجميع في خلط الأوراق في سوريا والعراق.. وسط صبر وهدوء امريكي.. يتدخل او يسمح للآخرين ان يتدخلوا عندما يختل ميزانها فقط، وقد تستفيد في سبيل ذلك من تنظيم داعش لبناء شرق أوسط جديد كثيرا ما تحدثت عنه.. وليس بالضرورة ان يصار فيه الى ترسيم الحدود بل الى إعادة تقسيم الحلفاء والتحالفات.

اضف تعليق