كان من المفترض ان يكون اجتماع "باريس" تكملة لمشوار العراق في تحرير باقي مدنه من تنظيم "داعش"، وربما الحديث عن اللمسات الأخيرة حول عملية "تحرير الموصل" المزمع انطلاقها في وقت قريب، لكن المفارقة فرضت نفسها على الحكومة العراقية و"التحالف الدولي" للحديث عن خطة "استعادة الرمادي"، بعد سقوطها المدوي بيد التنظيم... وسط تبادل إطلاق النار بين المتحالفين عن أسباب الفشل... ومدى جدية "الصبر الاستراتيجي" لمكافحة التطرف في العراق.
في اجتماع "لندن" السابق الذي عقد أواخر كانون الثاني من العام الحالي، كانت الحماسة تلف الغرب والحكومة العراقية في طرح ملفات جوهرية تضيق الخناق على تمدد تنظيم داعش، تعزز من سبل احتوائه، منها منع تدفق المقاتلين الأجانب الى العراق او سوريا، وتجفيف منابع التمويل، وسائل التواصل الأساسية التي يستخدمها التنظيم، وتعزيز الحملة العسكرية للتحالف الدولي في ضربها لأهداف عسكرية ولوجستية للتنظيم، كما كان مؤتمر "لندن" السابق، الذي ترأسه وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، (المصاب حاليا في كسر بفخذه ويشارك بمؤتمر باريس الحالي عن بعد)، والبريطاني "فيليب هاموند"، يناقش أيضا تقرير لجنة مجلس الأمن المنشور في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الذي قدر عدد المقاتلين المنظمين الى تنظيمات متطرفة مثل "داعش" بـ 15 الفاً قادمين من 80 بلدا، قبل ان يخرج علينا الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" قبل أيام بإحصائيات جديدة ومخيفة مفادها ان 100 دولة تمد تنظيم داعش والاخرين بالمتطرفين والإرهابيين... تتراوح أعمارهم بين 15-35، ليرتفع عددهم الى 25 الف مقاتل بزيادة قدرها 70% مقارنة بالعام الماضي.
قبل ان يسافر رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" الى باريس... أطلق بعض الآمال في حرب العراق ضد الإرهاب، الأولى كانت بوعد لتحرير مدينة "الرمادي" خلال أيام (وهو ما عده "هادي العامري" امر يثير الضحك)، والثاني انطلاق عمليات "التحشيد" لتحرير مدينة "الموصل"... ولدى وصوله الى باريس أطلق، أيضا، جملة من الانتقادات اللاذعة للتحالف الدولي وطريقة ادارتهم لملف الحرب ضد الإرهاب... فهو أشار الى:
- فشل التحالف الدولي (العالم) في إيقاف تمدد داعش في العراق... اذ ان الكلام والوعود كان أكثر من الفعل.
- المجتمع الدولي خذل العراق في مسألة "التسليح" ولم يعطي الأسلحة المطلوبة، اما بالنسبة للدول التي ترغب فعلا بتسليح العراق (إيران وروسيا)، فالعقوبات الامريكية والاوربية تقف عائقا امام إتمام الصفقات او عملية التسليح.
- الغارات الجوية ما زالت ضعيفة، فهي لم تستطع إيقاف الشاحنات المفخخة، التي وصفها العبادي في وقت سابق بالقنابل "النووية المحلية"، كما ان مستوى التدريب للجيش العراقي ما زال دون المطلوب.
- معظم الأهداف السابقة التي وعد التحالف الدولي بتنفيذها في العراق لم تنفذ، خصوصا في جانب التسليح وتدفق المقاتلين الذي أشار اليه العبادي بتزايد اعداد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش الى 60% من مجموع المقاتلين.
طبعا المكاشفة والصراحة التي ستجري اليوم في مؤتمر "باريس" كانت مفقودة قبل 6 أشهر حيث عقد مؤتمر "لندن"، والخيارات التي سيناقشها العبادي مع التحالف الدولي مفتوحة على جميع الاحتمالات، وبحضور مميز لدول الجوار... "تركيا" و"السعودية" التي أسمت سفيرها الى العراق ليباشر مهامه الدبلوماسية قريبا.
الوفد الأمريكي أعلن قبل انعقاد المؤتمر "هذا ليس اجتماعا عاديا... نحن ذاهبون لنناقش مع رئيس الوزراء خطته لتحرير الرمادي والانبار"، طبعا هذه الخطة بما تحويه من تفاصيل سياسية وعسكرية تركزت على مخاوف أمريكية وفرنسية اقتربت من المخاوف الخليجية... الحشد الشعبي وضرورة السيطرة عليه... دور أكبر للسنة في تحرير مدنهم... قيادات جديدة في المعركة ووحدات مقاتلة مدربة من قبل قوات التحالف... والاهم من ذلك كله ان تبقى جميع هذه الخيوط تحت إدارة وتصرف الحكومة المركزية العراقية حصرا لا جانب اخر.
ما جرى في المؤتمر السابق لا يعدو كونه مجاملة للتصدي للإرهاب، والنتائج كانت كارثية، أعلنتها الحكومة العراقية بصراحة "فشل للعالم بأسره"... سيما وان اغلب الوعود لم تتحقق... والتنظيم ازداد قوة وعددا خلال الستة أشهر الماضية.
اما ما سيجري بعد المؤتمر الأخير، فربما سيكون الامر مختلفا نوعا ما... فمصداقية الجميع على المحك... التحالف الدولي، المجتمع الدولي، الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة الامريكية، سيما وان العراق أكد ان الخيارات المتاحة له في تصديه لتحركات التنظيم هي خيارات ضيقة ومحدودة، ولهذا فهو لن يقف عند حدود التحالف وصبرة الاستراتيجي ليجد ان "داعش" أصبح على مشارف بغداد او يتقدم باتجاه الوسط والجنوب، بل سيطلب الدعم من الجميع وسيستغل المتاح، ومن لديه دعم فليقدمه الان او فليمتنع عن عرقلة دعم الاخرين على الأقل.
اضف تعليق