هدر الثروة هذا لا يعني اغماض العين عن الهدر المالي على رواتب المسؤولين الكبار ونثرياتهم وصرفياتهم وحماياتهم، وبهذا كله يتم تسرب الثروة الوطنية العراقية الى الخارج، فضلا عن الادخار المنزلي، الامر الذي ادى الى ضعف او توقف استخدام الفائض في الثروة الوطنية في التنمية، هذا هو جوهر الازمة المالية...
المصدر الاساسي للثروة يأتي من النفط، الشركات تشتري النفط من العراق بسعر اقل كثيرا من السعر الذي تبيعه في السوق. فارق السعر، بعد خصم كلف الانتاج كلها، هو مال عراقي مسروق، شركات الهاتف النقال تبيع الخدمة للمواطن بسعر اعلى بكثير من سعر الكلفة، الفارق بين السعرين، بعد خصم كلف الانتاج، هو ايضا مال عراقي تسرقه شركات الهاتف النقال، السوق العراقي يستورد السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية وغير ذلك باسعار تفوق كثيرا اسعار كلفها.
والفارق بين السعرين، بعد خصم كلف الانتاج، هو مال عراقي مسروق، المال العراقي المسروق هو في معظمه عائدات النفط المالية التي تحولت في معظمها الى رواتب للموظفين والمتقاعدين وغير ذلك من مصروفات الدولة التي تدفع ثمنا للخدمات والسلع السابق ذكرها بما في ذلك الكهرباء المستورد، فضلا عن العقود الفاسدة التي يجري ابرامها مقابل عمولات، وفضلا عن واردات المنافذ الحكومية، وواردات النفط المهرب، وغير ذلك. هذه هي منافذ تسرب الثروة الوطنية، النفطية بالاساس، الى الشركات العالمية، والدول المصدرة، يضاف اليها ٣٥ مليار دولار مجمدة على شكل سندات حكومية اميركية في الولايات المتحدة.
وهذا هو معنى خواء الخزينة، وهدر الثروة، هذا لا يعني اغماض العين عن الهدر المالي على رواتب المسؤولين الكبار ونثرياتهم وصرفياتهم وحماياتهم. وبهذا كله يتم تسرب الثروة الوطنية العراقية الى الخارج، فضلا عن الادخار المنزلي، الامر الذي ادى الى ضعف او توقف استخدام الفائض في الثروة الوطنية في التنمية، هذا هو جوهر الازمة المالية التي تعاني منها الدولة العراقية، وهي ليست وليدة اليوم، انما هي بدات بالتفاقم منذ اخذت الدولة تتفق العائدات المالية النفطية على رواتب موظفيها وتشغيل ماكنتها الادارية و العسكرية وتشن الحروب الخارجية، والسرقات المباشرة التي بدأها صدام حسين وولداه وزبانيته، وواصلها فاسدو الطبقة السياسية الراهنة.
تأمين رواتب الموظفين هو اهون المشكلات التي تواجهها الدولة، فما هو اخطر من ذلك ان الدولة باتت عاجزة على الانفاق على البلد واعماره وتنميته، ولم يعد بمقدور الدولة تمويل مشاريع البناء والتحديث في مختلف المجالات مثل بناء المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمطار ومد السكك الحديدية وتعبيد طرق المواصلات وتحسين الخدمات.
وتستطيع الدولة، بحكم احتكارها للسلطة، القيام باجراءات ترقيعية للتغطية على جوهر الازمة مثل خفض الرواتب او استقطاع مبالغ منها كما فعلت ذلك، ثم تراجعت عنه، بعد ردة الفعل الشعبية الغاضبة. ومثل هذه الاجراءات تعمق مشاكل البلد وتفاقم معاناة المواطنين، وتفقر الغني ولا تغني الفقير، ولا تسفر عن شيء ايجابي. واذا كان الاقتراض الداخلي او الخارجي او تسييل السندات الحكومية الاميركي يمثل اجراءات عاجلة تعالج جزءً يسيرا من الازمة المالية، فان المطلوب ايضا اجراءات متوسطة المدى واجراءات بعيدة المدى للمعالجة.
ومن هذه الاجراءات فرض شروط استثمارية على شركات النفط وشركات الهاتف النقال والشركات او الدول المصدرة للبضائع والولايات المتحدة صاحبة السندات الحكومية المذكورة. وتتضمن هذه الشروط الزام هذه الجهات بتنفيذ مشاريع البنية التحتية للبلد وتمويل المشاريع الذكية بما في ذلك المشروع الوطني لتشغيل الشباب، واكمال المشاريع المتوقفة او المتلكئة واعادة تأهيل المصانع الحكومية المتوقفة. ويمكن الذهاب الى ابعد من ذلك بفرض شروط مساهمة على الشركات المصدرة، وخاصة التركية والايرانية والعربية والاوروبية واليابانية والصينية وغيرها، بالدخول مباشرة كشركاء معها بأموال حكومية او اهلية.
ويجب ان تشكل هذه الاجراءات خطوات تمهيدية مدروسة نحو خروج الدولة من الاقتصاد الاستثماري الاحادي الى الاقتصاد متعدد مصادر الثروة، والقطاع الخاص الواسع والفعال، وتحويل عدد مهم من موظفي الدولة الى قوة عمل منتجة في مشاريع انتاجية في الزراعة والصناعة.
اضف تعليق