في سوريا عادت التعقيدات على طول خطوط المواجهة بين الأطراف المتصارعة من جديد، هزائم النظام السوري الأخيرة عززت مكانة جبهة النصرة، ليخرج "أبو محمد الجولاني" من على قناة "الجزيرة" ليضع الشروط ويحدد مصير "دمشق" و"الأسد"، إضافة الى ترتيب مستقبل الأقليات في الداخل، والأوضاع الإقليمية وعلاقة "النصرة" بالغرب في قادم الأيام، المقاتلين او "المعارضة السورية المعتدلة"، التي يحلو للغرب تسميتها بهذه الاسم، حققت انتصارات وبعض الهزائم في الشمال والجنوب، الا ان موقفها تعزز في الشهرين الماضين مقارنة بالهزائم الكبيرة التي تلقتها من النظام قبل اشهر قليلة.
اما تنظيم "داعش" فقد كان اكثر المستفيدين من تبدل خارطة تقسيم سوريا بين هذه الأطراف بتقدمة نحو وسط البلاد بعد سيطرته على مدينة "تدمر"، فضلا عن سيطرته الكاملة على المنطقة الشرقية صعودا نحو الشمال (جزء من الحسكة، محافظة الرقة، جزء من حلب)، اما الاكراد بالقرب من الحدود التركية فيعملون على قضم الأراضي من هنا وهناك واستمرار التعاون العسكري واللوجستي مع الولايات المتحدة الامريكية لضمان موطئ قدم لهم في المعادلة السورية القادمة.
حتى الان الأوضاع ما زالت على حالها، رغم التقلبات الأخيرة، بمعنى انه لا وجود لطرف يمكن ان يعلن فوزه النهائي على حساب الاخرين في سوريا، كما ان جميع الخيارات مفتوحة، ومن يتعرض للهزائم اليوم يمكن ان يحقق انتصارات كبيرة في اليوم التالي، هذه هي المعادلة التي سارت عليها معارك "ارض الشام" الى الان، لكن يمكن ان نؤشر بعض التقلبات المثيرة للجدل والتي قد يختفي ورائها بعض التوقعات المحتملة لمستقبل الازمة السورية المفتوحة:
- نظام الأسد خسر خلال شهرين الكثير من المناطق في الشمال والجنوب والوسط، وتركز القوات النظامية في مناطق الأقليات او المناطق التي يحظى فيها النظام بشعبية، (الساحل، دمشق، حمص، حماة)، لتحصينها امام هجمات تنظيم داعش والنصرة وغيرهم من المسلحين، وهو امر احتاج جهود استثنائية من الخصوم.
- ظهور "جبهة النصرة" كجهة معتدلة يمكن التواصل معها او مع اميرها "الجولاني"، ربما كطرف رئيسي من أطراف المعارضة، وهو ما روج له "الاعلام الخليجي" مؤخرا، بالرغم من ولائها لتنظيم "القاعدة" واعتبارها من المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة الامريكية منذ عام 2012.
- الحديث عن وجود توافقات خليجية-تركية لدعم المقاتلين (الفصائل التي تشكل جيش الفتح بما فيها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة)، وتسريع اسقاط الأسد او تقليص مساحة سيطرته ودفعة نحو الساحل، كنوع من الضغط، ربما استعدادا لعقد مؤتمر "جنيف 3" الذي كثر الحديث عن إمكانية انعقاده قريبا.
- زيارات متبادلة بين رموز النظام السوري والإيراني من طهران الى دمشق وبالعكس، إضافة الى تحركات "حزب الله" اللبناني الأخيرة، والتي وسعت من دائرة تحركاته في سوريا، واعلانه الأمين العام للحزب "حسن نصر الله"، بان المعركة مفتوحة بين حزب الله والفكر المتطرف.
بالطبع يمكن ان تأتي هذه المواقف في إطار الحرب المفتوحة على جميع الاحتمالات، خصوصا عندما تكون بمستوى ما يجري في سوريا، لكن طبيعة هذه الاحداث وتسارعها في الآونة الأخيرة، يوكد ان ما يجري خلف الكواليس اشد وأمضى مما ظهر حتى الان، كما يؤكد ان سوريا مقبلة على محاولة تمرير لسيناريو جديد من اعداد "خليجي" او "تركي" او "امريكي" او ربما من اعداد الجميع معا، والهدف هو تنظيف سوريا من تنظيم "داعش" الذي اكل نصف سوريا تقريبا، ومن ثم الانتقال للحل السياسي الذي ربما يضمن عدم بقاء الأسد رئيسا لسوريا او لأغلبها في الفترة المقبلة، وهو ما قد يثير حساسية حلفائه الإقليميين، الرافضين للتنازل عن الأسد واعتبار مساندة ودعمة جزء من المصالح العليا لأمنهم القومي، كما هو الحال مع ايران مثلا.
وأبرز هذه السيناريوهات التي ايدها البعض واستبعدها اخرون:
- ربما تكون هذه التغيرات مقدمة لفكرة "التقسيم" الى أقاليم تقسم حسب النفوذ التركي والخليجي والإيراني والامريكي، حتى يحين الوقت الذي تقتنع فيه الأطراف التي بيدها حل الازمة السورية لاختيار حل سياسي ملائم يتفق عليه الجميع.
- سيناريو اخر يرى ان تلميع واجهة "جبهة النصرة" لتكون الواجهة الامريكية-الخليجية لمقاتلة تنظيم "داعش"، (مواجهة الشر بالشر)، كونها الوحيدة القادرة على فعل ذلك، بعد ان نجحت في لم الفصائل المسلحة في مقاتلة النظام وكسب المعارك، مقابل منحها بعض الامتيازات السياسية في سوريا، وجاء الغزل من "الجولاني" واضحا للغرب، بعد ان أكد ان القاعدة لن تستخدم سوريا لتنفيذ هجمات ضد اوربا او الغرب.
- هناك سيناريو مغاير للسابق يرى ان السعودية قد نسقت مع تركيا (وكلاهما منزعج من الحليف الأمريكي الذي خذلهم في سوريا) من اجل دعم "جبهة النصرة" والفصائل المتطرفة الأخرى لتسريع اسقاط الأسد باي ثمن، بعد ان استشعرت ان الولايات المتحدة ليس لها الرغبة في إسقاطه، كما ان أوباما أكد في حديث سابق ان من يطالب الولايات المتحدة الامريكية بالتدخل لإسقاط الأسد عليه ان يذهب بنفسه الى هناك.
- سيناريو الدفع نحو "التسوية السياسية" هو أحد اهداف هذه التوترات في الجبهات العسكرية، سيما وان الحل السياسي فتر واصابه الخمول منذ فشل "جنيف 2" وإقرار الأمم المتحدة بذلك، وربما جرعة المنشطات الميدانية الأقرب الى الواقع لإشعار الجميع بخطر ما يحدث من سيطرة تنظيم "داعش" وتمدده الى دول الجوار، واعتبار ان الجمود السياسي يوفر ملاذا امنا لداعش والقاعدة والاخرين في سوريا.
اضف تعليق