الرفض الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية على أي شبر من فلسطين وخصوصاً الضفة الغربية موقف استراتيجي ومبدأي لفكرة قيام دولة فلسطينية حتى وإن تحول الفلسطينيون لملائكة سلام، لأن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة على أرض فلسطين يشككك بالرواية الصهيونية التوراتية حول أرض الميعاد وإسرائيل التوراتية، بل...
الموقف الإسرائيلي الرافض لقيام دولة فلسطينية ليس تكتيكياً بهدف انتزاع مزيداً من التنازلات من الفلسطينيين كالاعتراف بيهودية الدولة أو بضم مناطق من الضفة، وليس لأن الفلسطينيين يريدون الدولة عن طريق العنف والعمل المسلح أو لأنهم (إرهابيون) ودولتهم ستهدد إسرائيل والمنطقة كما تزعم إسرائيل، وبالتالي إن التزموا بنهج السلام وتخلوا عن سلاحهم ومقاومتهم والتزموا بالشرعية الدولية وقراراتها الخ فإن تل أبيب وواشنطن ستقبلان بمنحهم دولة على أرض فلسطين.
الرفض الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية على أي شبر من فلسطين وخصوصاً الضفة الغربية موقف استراتيجي ومبدأي لفكرة قيام دولة فلسطينية حتى وإن تحول الفلسطينيون لملائكة سلام، لأن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة على أرض فلسطين يشككك بالرواية الصهيونية التوراتية حول أرض الميعاد وإسرائيل التوراتية، بل كانت إسرائيل وإلى وقت قريب لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني، وكل ما تبديه أحياناً من مرونة حول الموضوع كما جرى مع خطة خارطة الطريق أو مع صفقة ترامب-نتنياهو اللتان لمحتا لقيام دولة فلسطينية كان مجرد مناورة لكسب مزيد من الوقت لضم مزيد من الأراضي.
لمزيد من محاولة فهم الموقف الإسرائيلي الرافض لقيام دولة فلسطينية يستحسن الرجوع إلى حرب أو عدوان حزيران 1967 والذي يمر عليها اليوم 53 عاما حيث احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى أراضي دول عربية.
لم تقم إسرائيل بعدوانها لأن أمنها ووجودها كان مهدداً من طرف الدول العربية وخصوصاً دول الطوق أو لأن العرب كانوا يريدون رمي اليهود في البحر كما كان يروج الإعلام الصهيوني، بل لأن إسرائيل كانت تريد ما تسميه استكمال تحرير أرض إسرائيل وخصوصاً يهودا والسامرة، مع تخوفات من حركة التحرر الفلسطينية الناشئة ودعوتها لتحرير فلسطين وارتفاع أصوات في حركة فتح تطالب بإقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت حكم عربي –الضفة الغربية وقطاع غزة-. وبالتالي لم تحتل إسرائيل الضفة الغربية ولم تقم بأعمال الاستيطان وشق الطرق فيها لاعتبارات أمنية أو لتُعيدها للفلسطينيين ليقيموا عليها دولتهم إن استقر الأمن في المنطقة، بل لتصبح جزءاً من دولة إسرائيل.
بعد ذلك وفي كل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الفلسطينيين لم تكن الدولة الفلسطينية موضوعاً للنقاش، بما في ذلك اتفاقية أوسلو التي ليس فقط لم تتحدث عن دولة فلسطينية بل تعاملت مع الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها أراضي متنازع عليها. وفي هذا السياق يمكن تفسير الإصرار الإسرائيلي والأمريكي على أن تكون مرجعية عملية السلام والأساس الذي قامت عليه اتفاقية أوسلو هو قراري مجلس الأمن 242 و338 فقط، لأن هذين القرارين لم يذكرا كلمة فلسطين أو الفلسطينيين وكان المُخاطب فيهما الدول العربية التي شاركت في الحرب.
بل حتى عندما قامت السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 بعد توقيع اتفاقية أوسلو رفضت إسرائيل وجود أية سيادة فلسطينية ولو على شبر واحد من الأرض والمياه والفضاء، ليس هذا فحسب بل رفضت مسمى (السلطة الوطنية الفلسطينية) وكانت وما زالت ترفض التعامل مع أو استلام أية مراسلة تحت هذا المسمى، وفرضت في المقابل مسمى (السلطة الفلسطينية) دون كلمة الوطنية بما تحيله هذه الكلمة إلى مفهوم الوطن والدولة، وإلى الآن فإن الهوية أو بطاقة التعريف التي يحملها سكان غزة والضفة كذلك جواز السفر معنونان بـ(السلطة الفلسطينية) بدون كلمة الوطنية.
في الحالتين اللتين اضطرت فيهما إسرائيل التعامل وبتحفظ مع فكرة قيام دولة فلسطينية تشمل الضفة أو أجزاء منها وضعت تحفظات أو شروطاً تعجيزية لقيامها، وهذا ما جرى مع خطة خارطة الطريق 2002 وصفقة ترامب-نتنياهو كما سنوضح.
في عام 2002 وعلى إثر خطاب للرئيس الأمريكي جورج بوش ألقاه في 24/6/2002أشار فيه إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية، طرحت الرباعية الدولية خطة خارطة الطريق في محاولة منها لإخراج المفاوضات من عنق الزجاجة والطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية التسوية بسبب استمرار إسرائيل في عملية الاستيطان ولتهدئة الغضب الفلسطيني الذي تبدى في اندلاع الانتفاضة الثانية 2000، وفي هذه الخطة تم التطرق لأول مرة إلى فرصة قيام دولة فلسطينية مؤقتة ومنزوعة السلاح وتبادل أراضي، وآنذاك وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أربعة عشر شرطاً أو تحفظاً للقبول بالخطة وقيام دولة فلسطينية، ومع أن البعض آنذاك رأى في خطاب بوش وخطة خارطة الطريق فرصة للعودة لطاولة المفاوضات وإجبار إسرائيل على القبول بقيام دولة فلسطينية إلا أن خطاب بوش وخطة خارطة الطريق وضعتا بتنسيق مع شارون الذي اجتاح الضفة الغربية في عملية السور الواقي في مارس 2002 وكان يستعد للعملية العسكرية الثانية (الطريق الحازم)، وكان هدف شارون من التجاوب مع خطاب بوش وخطة خارطة الطريق تنفيذ خطته الخاصة التي وردت في التحفظات الأربعة عشر وهي الخطة التي لخصتها صحيفة هآرتس في عددها 28/6/ 2002 كما يلي:
1- عدم إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين حول التسوية النهائية للصراع في المرحلة الحالية.
2- يتوجب تأجيل إنشاء الدولة الفلسطينية قدر المستطاع.
3- لا لإزالة المستوطنات أياً كانت حتى أكثرها عزلة.
4-بدلاً من تقصير الخطوط عسكرياً يتوجب السعي لاحتلال مناطق فلسطينية لمدة طويلة بما في ذلك أجزاء من مناطق (أ).
5- خطط شارون للاحتفاظ بمنطقتين أمنيتين: في الشرق كل غور الأردن، وفي الغرب كل منطقة التماس. وبمساعدة غلاف القدس، سيتم عزل القدس عن الفلسطينيين في الضفة الغربية بدرجة كبيرة.
وقد نجح شارون بالفعل في إفشال خطة خارطة الطريق ليس فقط من خلال الاستمرار في الاستيطان واجتياح الضفة الغربية واغتيال الرئيس أبو عمار بل أيضاً من خلال خطته للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة في خريف 2005 وهو الانسحاب أو إعادة الانتشار الذي هيأ الظروف لسيطرة حماس على القطاع الأمر الذي كان بمثابة ضربة قاضية لحلم الدولة الفلسطينية على حدود 67 وهي ضربة لا تقل عن الاستيطان في الضفة.
وفي هذه الأيام ورداً على تلميح صفقة ترامب-نتنياهو إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية وضع نتنياهو عشر شروط للقبول بوجود دولة فلسطينية بعد ضم إسرائيل لمنطقة الغور وشمال الضفة الغربية والمستوطنات وبالتأكيد بعد ضم القدس، وقد زعم أن هذه الشروط متضمَنة في خطة الرئيس ترامب. فبعد أيام من منح حكومته الجديدة الثقة من الكنيست يوم 17 مايو صرح في مقابلة مع صحيفة إسرائيل اليوم (يسرائيل هيوم) بتاريخ 28 مايو: إنه في حال موافقة الفلسطينيين على بسط السيادة الأمنية على كافة أراضي الضفة الغربية والأغوار، فإنهم سيحصلون على كيانهم الخاص، الذي تحدده خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (صفقة القرن)، بأنها "دولة" لهم-. مع تأكيده أن هذه الدولة ستكون نتيجة مفاوضات بين الطرفين ستُعقد لاحقاً بعد عملية الضم وموافقة الفلسطينيين على الشروط السابقة.
وعليه فإن فكرة حل الدولتين لم تكن جزءاً من التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي ولا من أساسيات عملية التسوية السياسية الأمريكية بل هي فكرة فلسطينية مدعومة بتأييد دولي، أما بالنسبة لإسرائيل وفي أفضل الحالات فقد تقبل بدولة للفلسطينيين إما في الأردن أو في قطاع غزة، وإلى الآن هناك اشتغال ومراهنة إسرائيلية على ذلك، الأمر الذي يثير قلق وغضب المملكة الأردنية والوطنيين الفلسطينيين.
هذا العنت والرفض الصهيوني وانغلاق أفق حل الدولتين عن طريق تسوية سياسية لا يمس في شيء الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها الحق في الدولة المستقلة ومن حق الشعب الفلسطيني مواصلة نضاله وانتزاع حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس مع عودة اللاجئين بكل الطرق الممكنة في إطار استراتيجية وطنية عقلانية لأن الدولة ليست منحة أو منَّة من إسرائيل وواشنطن وحتى من المنتظم الدولي بل حق وطني تاريخي، وإن فشلت مراهنة القيادة والطبقة السياسية على حل الدولتين من خلال عملية تسوية سلمية فهذا فشل لهذه التسوية وللطبقة السياسية التي عليها الاعتراف بفشلها بدلاً من استمرار المراهنة على المفاوضات كما يظهر من التصريحات الأخيرة لوزير خارجية السلطة رياض المالكي.
اضف تعليق