إذا كان ثَمّ هنالك أمل، فإنه ينعقد ويقع على عاتق جيل شبابي جديد من قادة أكثر اعتدالا بالظهور على الساحة مثل هذه الشخصيات تمثل جيلاً جديدا من القادة يُراهَن على مثل هؤلاء إنهاء الصراعات بسبب سياسات القادة التقليديين الأكبر سناً والذي قاد أداءهم إلى تدمير هذا البلد...

توالت واستمرت ممارسات جلد العملية السياسية العراقية بسياط الصراعات والجمود السياسي، وقد يعزى ذلك إلى طبيعة النظام السياسي الذي بُني سلوكيا وفق مبدأ المحاصصة السياسية، لكن الحقائق والوقائع تشير إلى أن الخلل والعلة ليست في النظام السياسي فحسب إنما له مسببات عدة ناتجة عن الممارسات الخاطئة والمتراكمة للقادة السياسيين من مختلف المكونات: شيعة وسنة وأكراد، ممن أسهموا في إضعاف النظام السياسي وإجهاض كل محاولات إنقاذه حينما تتاح الفرص، وتبرز مشاريع واحتجاجات وقيادات وطنية تريد مواجهة هذه الاختلالات.

هذه الممارسات التي يتمسك بها القادة التقليديون الذين يعملون تحت غطاء وأسوار المكونات المحصنة بذاكرة مليئة بالدماء والعداء والخوف من الآخر، يجعل أي مبادرة أو مشروع يعمل على تخليص النظام السياسي العراقي من مخرجاته السلبية مسألة صعبة التطبيق، حتى في اللحظات التي يكون فيها الجميع تحت التهديد الوجودي، يتم التموضع باستغلال هذه التهديدات لتعزيز المكاسب وإضعاف الخصوم والمزايدة على حساب الوطن والمواطن، وهذا ما حصل بتهديد داعش الواضح والصريح، ومحاولات توجيه مسار الاحتجاجات الشعبية وركوبها بعدما هددت بقاء تلك الطبقة السياسية، والتدخلات الإقليمية والدولية المتواصلة في الشؤون الداخلية للبلد.

إذا كان ثَمّ هنالك أمل، فإنه ينعقد ويقع على عاتق جيل شبابي جديد من قادة أكثر اعتدالا بالظهور على الساحة السياسية، مثل هذه الشخصيات تمثل جيلاً جديدا من القادة السياسيين يُراهَن على أداء مثل هؤلاء إنهاء الصراعات والخلافات المحتدمة بسبب سياسات وممارسات القادة التقليديين الأكبر سناً والذي قاد أداءهم إلى تدمير هذا البلد.

يتطلع العراقيون إلى وصول شخصيات جديدة إلى صنع القرار تنبثق من رحم المجتمع، لم تكن نتاج حركات المعارضة في المنفى ضد النظام البائد، وبإمكانها تشكيل فرص واجتراح سياسات تعمل على الإسهام في بناء الدولة وفقا لاستحقاقات هذه الحقبة، فبإمكان هؤلاء القادة تمثيل مصالح ما بعد ٢٠٠٣، المملوءة بنظرة متطلعة جديدة غير متأثرة بضغائن الماضي.

ووفقا لذلك ستعكس الاحتجاجات الشعبية بروز قيادات وتيارات جديدة تعمل على ترصين التوازنات الوطنية في العملية السياسية العراقية، هذه القيادات الجديدة ستكتسب شعبية جماهيرية تشكل خطاً مستمراً من التواصل معهم يعمل على طمأنة مخاوفهم وتمثيل مصالحهم، لكن بالمقابل يحاول الجناح التقليدي إستعادة مواقعه نتيجة تضرر مصالحه كلما تضخم دور الجيل الجديد.

العراق بحاجة لمثل هذه القيادات لتفتح قنوات تواصل ايجابي مع المجتمع الدولي، تجعل منهم رقما حقيقيا في السياسة العراقية بما يؤهلهم ليكونوا قيادات مقبولة لدى القوى الإقليمية والدولية مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران، فضلا عن قبولهم المحلي والاجتماعي، ولهذا برزت نزعات مضادة نحو الاحتجاجات حينما استشعرت الطبقة التقليدية صعود مثل هكذا قيادات إلى واجهة الساحة السياسية، خاصة بعد تشكيل حكومة الكاظمي التي كانت إلى حدٍ ما بمثابة صفعة للأحزاب المتصارعة على المواقع والمناصب.

إن الهدف من تشكيل أيّ حكومة هو الخروج من أزمة، وإعادة انتاج قيادات وشخصيات أخفقت في أدنى الأداءات ستخفق مرة أخرى ويطيل البقاء في الأزمات، لأنها بدون تطلعات وهموم وطنية، وستنذر بالذهاب إلى أوضاع قد تهدد السلم المجتمعي أو تحدث شرخا بين مكونات المجتمع؛ لأنها ستتمسك بمطالبات الإبقاء على المحاصصة والتمسك بالرموز وتقديسها، وستحارب أي مبررات أو عوامل فقدان المكاسب السياسية ولن تتنازل عن المناصب العليا، وتوزيع الحقائب الوزارية وستبقي على الأجواء السياسية التي تميل إلى رفض هؤلاء الذين هم من دون شيب.

ولهذا سيكون أكثر أهمية في الأيام القادمة أن تعمل الحكومة الجديدة على إنجاز المطالب الشعبية واستحقاقات المرحلة القادمة المتمثلة بإجراء الانتخابات المبكرة التي تعد المدخل الأساس لبروز وصعود قيادات شبابية جديدة ومسارات مبدئية لانبثاق مثل هذا الجيل.

الأمل منعقد الآن في الحكومة العراقية الجديدة لإدارة الانتخابات المبكرة بأسرع وقت بعد استكمال مقومات نجاحها بشكل صحيح، لإفراز جيل سياسي من الحراك الاجتماعي، يتبنى منهجا أكثر اعتدالاً وأفضل أداءً من سابقاته.

إن العوامل التي ستمزق العراق إلى أشلاء هي الانفعالات والعواطف والطائفية والخوف والتردد من بروز قيادات عقلانية ومشاريع وطنية جديدة قادرة على تمثيل المصالح بشكل عادل، والبقاء صفاً موحدا ضد الطموحات والتدخلات الخارجية.

فلا بد أن يتم دعم وإسناد القيادات الجديدة الشابة القادرة على البقاء هادئة والمعترفة بالاختلافات بين مكونات البلد، والعارفة بمعطيات ومتطلبات المرحلة الحالية وتفهم سايكلوجية الجيل الجديد، يُراهن على استقلاليتها واعتدالها وإدراكها للتحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية الماثلة أمام البلاد. وبهذا سوف يكون هناك سبب للتفاؤل، وعدا ذلك قد لن يبقى العراق متماسكا، عِقب سنوات طويلة من الفساد والسرقات، ولابد مِن وضع حدٍ لذلك، عبر إحلال هذه القيادات في رأس السلطة لتعمل على رد الاعتبار للمواطن العراقي وإلغاء التفكير بنمط المكونات بل بنمط الهوية الوطنية مع احترام الخصوصيات الثقافية لهم، والطي النهائي لملف الفساد السياسي والبدء بمصادرة أموال كبار الفاسدين، وإنهاء نظام المحاصصة والدخول بتجربة الكفاءة والخبرة والنزاهة في تولي المواقع ووضع آليات لمنع تكرار ما حصل سابقا.

ولابد من نزع سلاح الجماعات الموالية للأجندات الخارجية المستحوذة على المال العام، وأن تكون سياسة العراق الخارجية واضحة ومتوازنة إزاء الدُّول كافة: لا مقاومة ولا اعتدال، والعمل على تأسيس أسلوب جديد للحكم والتدبير واستثمار دائرة الفرص الضائعة لمعالجة كل هذه الاختلالات، وهذا يحتاج ضغط شعبي يقوم فيه المواطن على التحرر من ضغط انتمائه السياسي أو المذهبي، عدا هذا سيبقى التخلف والوهم سائداً ولو بعد مئة عام.

لا أحد يمكن أن يكون متفائلاً بشأن مستقبل العراق ولا نريد المبالغة في القول والحديث أن هذا المستقبل مرهون فقط على وجود وصعود القيادات الجديدة المعتدلة التي اشرنا لها. لكن تزداد هشاشة الديمقراطية وحضور المخاطر السياسية والأداء غير الناضج والمسؤول في ظل محاربة ومجابهة صعود مثل هذه القيادات إلى واجهة السلطة في العراق.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق