في الرمادي بدأت المعركة الحاسمة، وانطلقت العمليات العسكرية بمساندة قوات "الحشد الشعبي" بمحاصرة مقاتلي تنظيم "داعش" من ثلاث محاور توزعت على مختلف القطعات العسكرية المشاركة، ومن بين الأهداف التي يسعى لها المشاركون في الحملة مدينة "الفلوجة" التي مرت بعدة موجات من القتال خاضتها القوات الامريكية (عام 2004) مع القوات العراقية ابان سيطرة تنظيم "القاعدة على هذه المدينة، وانتهت بعد الاتفاق مع شيوخ العشائر والحكومة العراقية على تشكيل "الصحوات" والشرطة المحلية للإشراف على الامن والاستقرار داخل المدينة، لكن الاضطرابات والهجمات ضد الشرطة والجيش العراقي المنتشر على اطراف المدينة وفي القواعد العسكرية القريبة منها (قاعدة الحبانية) لم يتوقف، وهو امر استدعى القيام بحملات عسكرية متكررة لم تؤتي ثمارها المرجوة.
بعد احداث العام الماضي، سيطر تنظيم "داعش" بالكامل على مدينة "الفلوجة"، وحولها الى ولاية إسلامية ضمن دولة المزعومة التي تمتد حدودها بين العراق وسوريا، بعدها تمكن من ضم معظم محافظة "الانبار" الى سيطرته، وأصبحت جزء من حدود مدينة الرقة ودير الزور السورية أثر سقوط معبر "التنف" السوري الفاصل بين الجانب العراقي والسوري، إضافة الى انسحاب القوات الأمنية العراقية من معبر "الوليد" الحدود المقابل له، ما جعل حرية التنقل لعناصر التنظيم أفضل من السابق، إضافة الى إمكانية نقل المعدات والأسلحة والعتاد والتعزيزات من دون صعوبة تذكر، ويحاول التنظيم الحفاظ على مكاسبة في "الفلوجة" لعدة اعتبارات عسكرية ومعنوية، وهو ما يعزز التوقعات بانها ستكون المعركة الأهم للمتطرفين، فضلا عن أهميتها للجانب العراقي.
كما ان التطورات الأخيرة في الميدان ستكون شاهد اخر على شراسة المعركة وقوتها، والذي سيركز دائرة الضوء عليها في نهاية المطاف، خصوصا وان رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" توقع استرداد الرمادي من يد التنظيم خلال أيام وليس خلال أسابيع او أشهر، وعزز هذا التصريح ما ادلى به "معين الكاظمي" القيادي في قوات "الحشد الشعبي" عن وجود "تخطيط لحسم ملف الرمادي والفلوجة قبل شهر رمضان"، ويمكن رسم بعض هذه التغيرات والتوقعات التي ستجعل من معركة "الفلوجة" في موجتها الثالثة، المعركة الأهم والابرز من بين جميع المعارك التي خاضها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بعد التاسع من حزيران الماضي وحتى الوقت الراهن.
بالنسبة لتنظيم "داعش"
- الفلوجة تحمل الكثير من الأهمية المعنوية لتنظيم داعش، باعتبارها من المدن التي لم تخضع لسيطرة الحكومة المركزية منذ عام 2003، كما انها كانت منطلق للعديد من العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش.
- قبل أسابيع اعتقل الإرهابي "وطبان كامل الدليمي" من قبل قوات خاصة تابعة "للحشد الشعبي"، في قضاء "الكرمة" شرق مدينة "الفلوجة"، وتنقل مصادر مقربة من الحشد، ان الدليمي، (وكان ضابطاً سابقاً في جهاز الأمن الخاص، إبان حكم نظام صدام حسين)، يعمل منذ عام ونصف على حفر عشرات الإنفاق داخل المدينة وخارجها لأجل فتح جبهات متعددة امام القوات العراقية وخلفها، وهي افاق مفخخة بالكامل في حال عجز التنظيم عن صد الهجوم المتوقع خلال أيام ضد مدينة الفلوجة، ما يعني تحول المدينة بالكامل الى قنبلة جاهزة للانفجار، وهو دليل اخر على حجم المعركة المتوقعة.
- تنظيم داعش يمتلك عنصر المناورة والتعزيز، بخلاف تنظيم القاعدة الذي كان يقتصر وجودة على المناطق التي توفر له الحاضنة ولا ينتقل بين المدن الا بصعوبة، فيما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق واسعة من العراق وسوريا، ما مكنه من نقل التعزيزات بين مختلف الجبهات التي يقاتل فيها.
- وحدها مدينة "الفلوجة" التي يمكن ان تشكل كابوسا بالنسبة للحكومة المركزية (اذا انفلتت زمام الأمور فيها)، بعد ان هدد زعيم التنظيم "البغدادي" في اكثر من تسجيل، بان العاصمة "بغداد" أصبحت الهدف التالي للتنظيم، ولم يتحدث البغدادي عن العاصمة الا بعد ان سيطر عناصره على مدينة "الفلوجة" التي لا تبعد عن بغداد سوى 60 كيلومتر فقط.
- بعد خسارتهم لمدينة "تكريت" في محافظة صلاح الدين، سيشكل خسارتهم لمدينة "الفلوجة" في محافظة الانبار، نكسة معنوية وعسكرية كبيرة ستنعكس بالتأكيد على وضعهم العام كتنظيم، وإمكانية احكام سيطرتهم على باقي الاراض الخاضعة لسيطرتهم داخل العراق.
اما بالنسبة للقوات الأمنية العراقية وبالأخص لقوات "الحشد الشعبي" فتتمثل أهميتها:
- أهمية كبيرة كمفترق طرق يربط العراق بريا بدول الجوار (سوريا، الأردن، السعودية)، وهو ما استغله التنظيم بنقل التعزيزات وفتح المزيد من الجبهات ونقل عناصره بسهولة عندما يتعرض لهجوم من القوات الأمنية العراقية، لذا فان السيطرة على المدينة يعني قطع الإمدادات بالكامل عن عناصر التنظيم وسلبهم هذه الميزة المهمة.
- شكلت المدن عقدة بالنسبة للجيوش النظامية لسببين، الأول عدم تمكن الطيران الحربي من قصف أهدافه بسهولة خوفا على المدنيين وصعوبة تحقيق الدقة، والثاني ان المدن تحتاج الى حرب شوارع وهي ميزة عادة ما تحسب لصالح التنظيمات المتطرفة، بخلاف الجيوش النظامية التي قد تتعرض لخسائر كبيرة خلال حرب الشوارع (بسبب عمليات التفخيخ والقنص والانفاق...الخ)، وهنا يأتي دور الفصائل المشاركة ضمن قوات "الحشد الشعبي"، التي اعتمد اغلب عناصرها على أسلوب "حرب الشوارع"، وستشكل المدينة اختبارا حقيقيا على قدرة هذه القوات (الحشد الشعبي)، على دخول الفلوجة.
- مثلما شكلت المدينة اعتبارا معنويا لتنظيم "داعش"، والقاعدة من قبل، باعتبارها عصية على القوات الامريكية المحتلة والقوات الحكومية، مثلت أيضا أهمية كبيرة بالنسبة للقوات العراقية والحشد الشعبي، التي تحاول كسر اسطورة المقاومة وإقامة الخلافة المزعومة التي روج لها التنظيم منطلقا من الفلوجة، ويعني انهزام داعش هناك هزة قوية له في عموم العراق، لذلك فان مصادر عديدة اكدت ان التنظيم حشد الالاف المقاتلين استعدادا للمعركة، وهو مؤشر اخر على مدى شراستها المتوقعة.
اضف تعليق