استهداف تلك القواعد يرسل رسائل خطيرة وسلبية للدول الاعضاء في التحالف بعد سنوات من تقديمها الدعم للعراق في كافة المجالات الامنية في اطار العمليات المشتركة، ويؤكد لها ان الحكومة العراقية والقوات الامنية غير قادرة على حمايتها، ويدفعها الى سحب دعمها للعراق سياسيا وأمنيا في وقت...
"ان أمريكا لن تتسامح مع أي هجمات أو تهديدات لأرواح الأمريكيين وستتخذ إجراءات إضافية وفق الضرورة دفاعا عن نفسها". بهذه الكلمات خاطب وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو رئيس الحكومة المستقيلة عادل عبد المهدي عقب استهداف قاعدة التاجي العسكرية التابعة للجيش العراقي وتضم قوات من التحالف الدولي يوم 14 آذار الجاري، والذي اسفر عن اصابة عنصرين من الدفاع الجوي العراقي واصابتين من القوات الاميركية واصابتهم بليغة كما اعلنت وزارة الدفاع الاميركية.
وهو الاستهداف الثاني للقاعدة بعد ان تم استهدافها يوم 11/آذار الجاري واسفرت عن مقتل جندي ومتعهد اميركيين وجندي بريطاني، فضلا عن سقوط 14 جريحا أميركيا وبريطانيا وبولنديا ومن جنسيات أخرى، خمسة منهم في حالة حرجة، وفقا لما ذكرته وكالة فرانس 24. وما تبعه من استهداف اميركي لمواقع فصائل عسكرية وفي مقدمتها كتائب حزب الله العراقي.
ويمكن القول ان الضربتين اعلاه هي من أعنف الضربات التي وجهت للقوات الاميركية والتي تسارعت وتيرتها خلال الثلث الاخير من العام الماضي بعد الاستهداف الصاروخي لقاعدة عن الاسد (غرب العراق) عقب اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في بداية كانون الثاني الماضي، والتي تلتها فترة تهدئة.
النظر بموضوعية لهذا الاستهداف والاستهداف المقابل والتأمل به يقودنا الى السؤال الاتي، ماهي انعكاسات ذلك على الدولة العراقية داخليا وخارجيا؟
سياسيا، كما هو معلن من ان هدف استهداف القواعد العسكرية العراقية هو مقاومة الوجود الاميركي في العراق والذي تصفه الجهات المستهدفة بأنه "احتلال". وهنا لابد من الاشارة الى عدة امور، الاول ان القوات الاميركية قد خرجت من العراق نهاية العام 2011 وفق اتفاقية سحب القوات الاميركية، وحينها كان المسار السياسي والدبلوماسي هو السبيل لإخراج تلك القوات من خلال وجود حكومة حاصلة على ثقة مجلس نواب منتخب. وقد عادت تلك القوات (اي الاميركية) -وبطلب من ذات الحكومة- على رأس تحالف دولي لقتال داعش ضم في عضويته 82 دولة في ايلول/2014 بعد نحو ثلاثة أشهر من سيطرة داعش على ما يقارب من نصف مساحة البلاد. وبعد اعلان هزيمة داعش عسكريا في العراق في كانون الاول/2017، استمر وجود قوات التحالف على الاراضي العراقية وضمن القواعد العسكرية العراقية المنتشرة في البلاد، واستمر عمله في توجيه الضربات الجوية لخلايا داعش، وتدريب القوات الامنية العراقية، والدعم الاستخباراتي، وانهاء قنوات تمويل تنظيم داعش الارهابي.
ووفقا لذلك، فإن استهداف تلك القواعد يرسل رسائل خطيرة وسلبية للدول الاعضاء في التحالف بعد سنوات من تقديمها الدعم للعراق في كافة المجالات الامنية في اطار العمليات المشتركة، ويؤكد لها ان الحكومة العراقية والقوات الامنية غير قادرة على حمايتها، ويدفعها الى سحب دعمها للعراق سياسيا وأمنيا في وقت لازال التنظيم الارهابي قادر على شن تعرضات تحصل بين الفينة والاخرى في بعض مناطق ديالى وصلاح الدين ومناطق اخرى في مناطق شمال غربي العراق.
فضلا عن ان اسباب توسع نفوذ التنظيم قبل عام 2014 لازالت موجودة بل زادت تعقيدا وهذا امر يحتاج في العراق الى الدعم الدولي لتجاوز تلك الاسباب ومواجهتها وتحسين الاوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة.
وامر اخر ان تلك الدول تكون امام حقيقة انها تتعامل مع حكومة مسلوبة الارادة لصالح فواعل غير حكوميين ولهم من القوة العسكرية الشيء الكبير والذي يمكنهم من استهداف قوات التحالف الدولي. وبالتالي تنظر الى ان هناك عدم وحدة في الموقف السياسي والقرار الامني داخل البلاد، ويتأكد لها ان القرار الامني أصبح خارج سلطات الدولة واسير لتلك الفواعل، وهذا ما ينعكس سلبا على كافة مجالات العلاقات مع تلك الدول ومنها الاقتصادية والثقافية، فضلا عن انه يجعل تلك الدول اقل حماس في التزامها تجاه التحالف ومنها انهاء تمويل داعش الارهابي.
فتعدد الفواعل من غير الحكومة وقيامها المستمر بأدوار سياسية وامنية موازية ومختلفة لرؤية الحكومة يوصل الدولة الى حالة من الانهيار ويرسخ وجودها ضمن تصنيف الدول الفاشلة، ويجعل الامر اكثر سوءا سواء للحكومة او لتلك الفواعل التي باتت تتمتع بتمثيل في سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية وباقي مؤسسات الدولة.
وعندها يكون العراق امام عزلة كبيرة تبتدئ بها دول التحالف، وحينها ربما سيكون العراق فاقدا لمحيطه العربي، اذ ان هناك دول عربية في التحالف ومنها السعودية والاردن وغيرها، في وقت العراق بأمس الحاجة الى محيطه العربي وتعزيز علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية معه.
كذلك، ان استهداف القوات الاميركية في القواعد العسكرية العراقية يزيد من تواجد تلك القوات ويوسع من دورها في العراق، ويعزز مساندة دول التحالف للولايات المتحدة. فالضربات الاخيرة كان لها ضحايا من جنسيات اخرى، وهذا يمنح فرصة للولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها التقليدية وتجديدها باتجاه مواجهة خطر ما تسميه تهديدات النظام الايراني في العراق. وفعلا حصلت على اسناد مؤكد من رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون عند اتصال الرئيس الاميركي دونالد ترامب به في انهم سيوجهون ضربات قوية لمن يستهدف قوات التحالف الدولي في العراق.
وفي ذات السياق، منح استهداف القوات الاميركية وحلفائها في العراق، مصداقية اكبر للولايات المتحدة في رؤيتها لدور اكبر لحلف شمال الاطلسي في الشرق الاوسط والذي عملت عليه في الاجتماعات الاخيرة للحلف في اوروبا.
لازال خطر الارهاب –كما قلنا سلفا– موجودا في العراق، ومصاديق ذلك الخطر تحصل بين فترة واخرى وينتج عنها ضحايا من العراقيين. كما ان الاسباب التي اوجدت داعش ومكنته من ان يحصل على الارض لازالت موجودة وبقوة، وهذا ربما يجعل البلاد امام خطر مشابه لخطر حزيران 2014 او اكثر سوءا. وعليه ليس هناك من مصلحة من خروج قوات التحالف الدولي التي سينتهي دورها حتما بخروج القوات الاميركية من العراق، وهذا امر يفرضه الواقع الامني.
اقتصاديا، ان المرحلة الحالية، وبسبب انخفاض اسعار النفط، سيكون العراق بحاجة مؤكدة الى المساعدة الدولية. واذا ما استمر هذا الانخفاض –ويرجح استمراراها بسبب فايروس كورونا- سيكون العراق بحاجة الى الدين الخارجي (القروض الاجنبية) لتمويل ايرادات الموازنة لعام 2020، في وقت العراق لازال بحاجة لجهد امني وعسكري للقضاء على خلايا داعش الارهابية. وهنا لا ننسى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في اتفاق الاستعداد الائتماني بين العراق وصندوق النقد الدولي عام 2015 والذي وفر اقراض من الصندوق لصالح الحكومة العراقية وتم تجاوز الازمة المركبة لانخفاض اسعار النفط وزيادة الانفاق العسكري.
كما لا يمكن غض النظر عن البعد المحلي لملف الانسحاب والمتعلق بخوف المكونات وفي مقدمتها المكون السني من ان انسحاب قوات التحالف الدولي سيقود حتما الى اختلال ميزان القوى الداخلي لصالح الفصائل المسلحة الشيعية والتي اكتسبت قوة وتنظيم اكبر مما كانت عليه قبل المواجهة مع داعش.
لابد لمن يستهدف قوات التحالف الدولي في العراق ان يدرك حقيقة وهي ان تلك القوات وفي مقدمتها الولايات المتحدة جاءت بطلب من الحكومة العراقية، وان انسحابها امر لابد ان يناط بحكومة حاصلة على ثقة مجلس نواب منتخب يمثل ارادة الجماهير بشكل حقيقي، وهو ملف يرتبط بالسياسة الخارجية للدولة العراقية ومن ثم العلاقات الدولية، وفيه ابعاد سياسية وامنية واقتصادية. كما لابد من توافر قراءة موضوعية لطبيعة الصراع والتنافس الاقليمي والدولي في منطقة الشرق الاوسط واستراتيجيات تكتيكات الفواعل الاقليميين. ولا ينبغي للعراق ان يكون ضمن تكتيك اقليمي او دولي في هذا الملف. ونرى ان يتم النظر بهذا الموضوع بما يتناسب ومصلحة البلاد بشكل اساس وعبر حكومة ومجلس نواب منتخب بعد الانتخابات المبكرة.
اضف تعليق