لن تكون الجريمة الاخيرة التي تقع على شيعة السعودية، فهم مثل بقية الشيعة في البلدان العربية والمسلمة مستهدفين في وجودهم بالدرجة الاساس، تحت أكثر من دعوى وعنوان.
لكنهم ربما الاكثر قربا من بؤرة التطرف الشهيرة وهي الوهابية، صاحبة السلطة الدينية الرسمية، والتي كانت الصاعق الذي قام الانتحاري بسحبه لقتل هذا العدد الكبير من الشيعة السعوديين.
من تقلبات الزمن ان يكون شيعة السعودية تحت حكم ال سعود وذراعها الديني التكفيري، وان تكون القطيف والاحساء صاحبة التاريخ الممتد عميقا في التشيع جذرا وتأسيسا، معرضة باستمرار لمثل تلك النكبات.
تعتبر القطيف والاحساء جزء من البحرين القديمة، ويعدان من اقدم المناطق الشيعية في شرق الجزيرة العربية.
ذكر اسمها في اخبار سنة 11 من الهجرة في تاريخ الطبري. كما ورد في الاخبار التاريخية اسم (هجر) بمركزية الاحساء منذ تلك المراحل. والى هجر ينتسب رشيد الهجري، احد اصحاب الامام علي (عليه السلام).
ولكي يتبين مدى تغلغل منهج أهل البيت (عليهم السلام) واستحكامه في المنطقة، ننقل ما ذكره ابن بطوطة في كتابه المعروف (رحلة ابن بطوطة) ففيه يقول: "ثم سافرنا إلى مدينة القطيف كأنه تصغير قطف، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب وهم (رافضية غلاة)!! يظهرون الرفض جهارا ولا يتقون أحدا ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين أشهد أن عليا ولي الله، ويزيد بعد الحيعلتين (حي على الصلاة حي على الفلاح) حي على خير العمل...
ثم يسترسل ويذكر عن مدينة الأحساء، ويؤكد على أن سكانها عرب (لا كما يشوش البعض فيربط بين التشيع وبين الانتماء غير العربي) وأنهم من عبد القيس.. فيقول:
ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا وهي التي يُضرب المثل بها فيقال كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب ".
ونظرا لكون المنطقة ذات خيرات كثيرة، فقد أُغري بها الطامعون من مختلف الآفاق فجاء البرتغاليون واحتلوا المنطقة، ولهذا نرى أن قسما من الآثار الباقية تعود لهؤلاء الغزاة، وهنا موقف يبين منهاج شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في مقاومة التحديات التي تواجههم، فإن المنطقة لما احتُلَّت من قِبَل البرتغاليين، قام أهل المنطقة بالاتصال بالأتراك العثمانيين ولم يمنع الخلاف المذهبي الموجود (باعتبار كون الأتراك حنفيي المذهب) من ذلك التواصل والتعاون على طرد المستعمر الأجنبي، وبالفعل كان نتيجة ذلك أن أُخرج البرتغاليون من المنطقة، مع أنه كان يمكن لأهل المنطقة أن يضمنوا لأنفسهم حماية قوة كبرى تصد عنهم غارات البدو وأعداء المحيط.
ولكنهم ضمن ثوابتهم الدينية رأوا أن عليهم أن يتحالفوا مع الأتراك المسلمين ضد الكفار الأجانب، وبقي الأتراك فيها إلى حوالي سنة 1080 هـ مع أن الأتراك قد أساؤوا إلى أهل البلاد في فترات مختلفة واضطهدوهم.
استمر الأتراك في حكم المنطقة مدة 120 سنة، ثم ضعف أمرهم، فاستطاع بنو خالد السيطرة على المنطقة، وأيضا بقوا يحكمونها مدة 120 سنة تقريبا، وقد تداخلوا في هذه الفترة مع الأهالي مما جعلهم يتأثرون بطريقة حياتهم، وثقافتهم، وكان نتيجة ذلك التداخل الاجتماعي والتأثر الثقافي أن وجدنا قسما من بني خالد قد تأثروا بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ولعل الناظر إلى العوائل والقبائل هنا يلحظ عددا من القبائل لم يكن التشيع فيها قبل ثلاثمائة سنة لكن بدأ فيها خلال هذه الفترة، فتشيعت قبائل بكاملها أو نسبة منها، ولا يزالون إلى يومنا هذا.
غير أن الأمر لم يستمر لبني خالد، فعاد الأتراك مرة أخرى وسيطروا على المنطقة، وقد شهد عهدهم الجديد حالة من الانفتاح الثقافي والحرية، وحصل في وقت متأخر انتشار الحوزات والمدارس العلمية إلى حد أن المنطقة كان يوجد فيها عدد من المجتهدين، رجع الأهالي في التقليد إليهم وكان في البلاد حركة ثقافية وأدبية متميزة شهدت الكثير من التأليفات، ووجد فيها الكثير من الشعراء والأدباء مما يحتاج له إلى حديث خاص به. واستمر هذا الحال إلى سنة 1331هـ.
وهنا لا بد من تسجيل نقطة وهي تحكي عن الحالة الوطنية والدينية التي كان عليها أهل المنطقة وعلماؤها، فإنه يُنقل أن المنطقة التي كان فيها حامية تركية ضعيفة، أُريد استغلال أمرها من قِبَل البريطانيين فأرسلوا بارجة حربية رابطت على الموانئ وعرضت الحماية على أهل المنطقة، فما كان من علمائها إلا أن وقفوا الموقف الديني الطبيعي في مثل هذه الموارد عند الاختيار بين من هو مسلم ومن هو كافر، فكان أن قام علماء القطيف ونواحيها بتسليمها إلى مندوب الملك عبد العزيز من دون قتال وكذا كان الحال في الأحساء حيث قام العلماء بتسليم البلاد ضمن إطار حفظ الحقوق والحريات الدينية.
في ايام دولة بني خالد تحول عدد من مختلف الجماعات الى التشيع بفعل مخالطة الشيعة والاتصال بهم، ومنهم بنو خالد انفسهم.
ابان دولتهم الاولى والثانية في اواخر القرن الثاني عشر ومطلع القرن الثالث عشر، كان الوهابيون يعادون الشيعة على وجه الخصوص، فكلما كانت تصير السلطة اليهم، كانوا يبذلون قصارى جهودهم للقضاء عليهم.
وطبقا للمصادر التاريخية، فان النزاع بين الوهابيين وشيعة الاحساء الذين كانوا يكونون الاكثرية في المنطقة، كان على قدر كبير من الخطورة والجدية.
اضف تعليق