في مستهل سبعينيات القرن الماضي طرح المفكر الأمريكي (أندرو مارك) في مقالة مهمة تساؤلا عن سبب هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة العظمى في حربها مع فيتنام التي تعامل معها الاعلام الأمريكي في حينها على أنها (كيان مارق)..!!، لماذا يهزم جيش يمتلك كل مقومات القوة والتفوق في الجو والبر والبحر أمام حرب عصابات أنهكته وأرغمت قياداته على الجلوس الى مائدة المفاوضات وعقد معاهدة سلام؟؟ هذا التساؤل الذي أثار جدلا كبيرا في أوساط المؤسستين.. (العسكرية والسياسية) أنتج لاحقا ستراتيجية جديدة تقوم على اساس الانتقال بالحرب من الحشود والارتال الثقيلة الى القوات الخفيفة وحروب الجيل الرابع التي تعتمد على التكنلوجيا والمعلومات والاستخبارات المقترنة بأداء سياسي محترف.
واليوم نحن أمام مشهد دراماتيكي رسمته أنباء الانسحاب المفاجئ للقطعات المقاتلة من الرمادي والذي يثير تساؤلات كثيرة نذكر أهمها:
1. لماذا تنسحب قوات الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب ومقاتلي العشائر امام هجوم لمجاميع مسلحة غير متجانسة (سلفية وبعثية وأجنبية وهجين ما بينهما) لا يجمعها الا العداء للعراق؟؟
2. أين الخلل في هذا التراجع؟ هل في الاستراتيجية ام في التكتيك؟؟
3. ماذا عن الحرب النفسية والاعلامية والمعنويات؟؟
4. لماذا تنسحب قوات مدعومة بالطيران والمدفعية الثقيلة وتقاتل على أرضها في مواجهة (فرق قتالية صغيرة) تعتمد تكتيك النيران المتحركة واسلحتها متوسطة لا تتجاوز الأحاديات والهاونات؟؟
5. هل نقبل أعذارا مثل استخدام العدو للمفخخات والانتحاريين أم نعيد صياغة السؤال ونتوجه به الى القادة والمسؤولين ونقول.. أن هذا ليس تكتيكا جديدا في الحرب ضد الارهاب واستخدمته داعش في تكريت وبيجي وحمرين.. فما هي خططكم لمعالجة الموقف؟؟
6. من قرر الإنسحاب ومن أصدر التوجيهات وأعطى الأوامر بإخلاء المدينة وما هي خطة الإنسحاب وهل هي خطة مدروسة وموضوعة ضمن الاحتمالات أم جاءت ارتجالية؟؟
7. هل تم سحب المعدات والأسلحة الثقيلة والمشاجب أم لا ومن المسؤول؟؟
الأسئلة كثيرة وتحتاج الى اجابات شافية توضح أسباب هذه الانتكاسة العسكرية التي لم نجد لها مايبررها خاصة أن القوات المنسحبة كانت تحتمي في مناطق محصنة وبعيدة عن التماس المباشر مع العدو سوى بالنيران غير المباشرة.. مثل قيادة العمليات والقصر العدلي ومقر مكافحة الارهاب والشرطة التي تقع شرقي المدينة في حين أن العدو دخل أحيائها الغربية.. حتى ان الدواعش كانوا في حالة من الصدمة وغير مصدقين ما يحدث وفقا لما جاء في الصور الأولى لسقوط المدينة...
هناك عدد من الأسباب التي تشكل في اعتقادنا جانبا من العوامل التي أدت الى هذا التراجع وأهمها:
- اعتماد الدفاع المستكين (اقامة السواتر وحفر الخنادق ومسك الارض) دون القيام بعمليات تعرضية ترهب العدو وتعزز معنويات القطعات.
- هذا التكتيك نقل المبادرة الى قوات العدو وأتاح لها تحديد وقت ومكان الهجوم والتعرض.
- نقل العدو الاشتباكات الى المناطق السكنية وبذلك حيّد سلاح الطيران.
ضعف في القيادة والسيطرة والتنسيق بين الوحدات وظهر ذلك في الانسحاب
طيران التحالف لم يكن فعالا ولم يقدم ما يكفي من اسناد للقطعات المدافعة عن المدينة.
- التجاذبات السياسية والاختلافات الظاهرة على موضوعة تسليح العشائر ومشاركة الحشد الشعبي ونقص الإمداد.
- تضرر الحالة المعنوية للمقاتلين والتي تحتكم الى جملة من العوامل أهمها (الاجازات المنتظمة ونوعية الأرزاق وتكريم التضحية والرواتب والحوافز والجوانب الانسانية).
- لا توجد خطة واضحة لتحصين المقاتلين ضد الحرب النفسية المعادية.
- تقييم أداء الآمرين والقادة في المعركة وتكريم المضحين والشجعان واستبدال من أخفق في مهامه.
في اعتقادي أن الرمادي أكبر وأصعب من أن يبتلعها بضع مئات من الدواعش وسيغص بها هؤلاء ويضيعوا في أزقتها وبركانها الملتهب وهزيمتهم حتمية وهذا ليس ببعيد،.. والموقف الحالي من وجهة نظرنا يحتاج الى الإجراءات الآتية:
• اعادة التنظيم والتأهيل النفسي والمعنوي والتدريب العسكري للوحدات المنسحبة.
• تعويض خسائرها في المعدات ورفدها بدماء جديدة من المقاتلين.
• الاستعداد للمعركة القادمة بكل الوسائل المتاحة.
• الانتقال من الدفاع المستكين الى الدفاع النشط والتعرض الفعّال.
• تغيير التكتيك الحالي والذي أثبت فشله في الميدان.
• الالتفات الى أهمية الحرب النفسية والإعلامية في المعركة.
• تحسين نظام القيادة والسيطرة والتنسيق بمستوى أعلى بين القطعات.
• الاستعانة بالحشد الشعبي واشراكه في العمليات والاستفادة من خبراته في حرب العصابات والمناطق المبنية.
والحرب سجال وهذه صفحة تحتاج الى المراجعة واستنباط الدروس وتوظيفها مستقبلا في الحرب على داعش والارهاب.
* مستشار ومتحدث سابق باسم القوات المسلحة
اضف تعليق