بين فترة وأخرى تصبح منطقة الاعظمية ساحة مرشحة لأحداث ساخنة وخطيرة ذات طابع ديني طائفي يمكن ان تعصف بأمن البلد واستقراره، بسبب موقعها الجغرافي المقابل لمدينة الكاظمية واعتبارها ممرا لمرور الزوار والمواكب منها صوب مرقد الكاظمين، وثانيا بسبب مكانتها الدينية لوجود مرقد الامام ابا حنيفة النعمان وما يمثله من رمز ديني وفقهي، وثالثا لان غالبية سكانها في الوقت الحاضر من الطائفة السنية حصرا، ورابعا لمكانتها السياسية في تاريخ العراق السياسي باعتبارها ارضا خصبة لنمو الحركات القومية والبعثية وما قامت به تلك الحركات من تمرد وعصيان ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم واسقاطها، وخامسا انها المكان الاخير الذي ظهر به صدام حسين علنا مودعا اهلها مما يحمل اكثر من دلالة ومغزى، وسادسا ما حدث بعد سقوط النظام البعثي في 2003 من سيطرة تنظيم القاعدة ومسلحي العصابات التكفيرية والبعثية على المنطقة وما اعقبها من قتال ومعارك كبيرة مع الجيش والقوات الامنية.
كل هذه العوامل لعبت دورا لان تصبح الاعظمية منطقة مرشحة لأحداث عنف وصراعات طائفية ومنطقة توتر دائمة تلعب العصابات الاجرامية من قاعدة وداعش وبعث، دورا في تأجيج الفتن والاضطرابات والاقتتال بين الطوائف في البلد عامة وبغداد خاصة، مستغلة أية مناسبة دينية او وطنية لإثارة عوامل الفرقة والتناحر والتآمر بدفع وتشجيع من قوى خارجية وداخلية تستفيد من اثارتها لمصلحتها السياسية والحزبية.
لذلك تلعب تلك القوى لزعزعة استقرار الاعظمية ومنع التقارب والاندماج بين ابناء الوطن الواحد والعمل على خلق هوة بين اهل المدينة والدولة وقواها الامنية لتحقيق اغراض تلك العصابات لتعم الفوضى ويسود الاقتتال وتنتشر الخلافات. اذن ما تتعرض له المنطقة من تجاذبات وارهاصات وعدم استقرار، تلقي بظلالها على المجتمع الاعظمي وما قد يعانيه من ضغوط وخوف وتخوين وشعورة بالعزلة والتهميش!! وهذا يعني ان هذا المواطن يشعر بأنه بين رحى قطبين الدولة وداعش!! فما العمل لاحتوائه وخلق حالة من الاعتزاز بالنفس وشعوره الذاتي بأنه اساس لدعائم أمن ثابت ومستقر؟
ماحدث اثناء زيارة الامام الكاظم... هو مشروع لخلق فتنة كبيرة كان مخططا ومدبرا له بعناية، خاصة وان هذه الزيارة المليونية تشكل عبئا كبيرا من الناحية الامنية لحمايتها والمناطق التي تمر بها صوب مدينة الكاظمية. كان الدواعش ومن يساندهم بمختلف المسميات يهيئون الجو الملائم لخلق حالة فوضى واقتتال بين الزائرين واهالي الاعظمية، وبعد ذلك انتشار هذه الاحداث الى مناطق واسعة من العاصمة بغداد وحواليها، اضافة لما مخطط له من انتشار كبير لخلايا نائمة ومتهيئة لتنفيذ المخطط لبث الفوضى والدمار في العاصمة.
حدث ما حدث... لكن الدروس كانت كبيرة!! انضباط كبير بين جموع الزاحفين لأداء الزيارة، وموقف شجاع وواعي من قبل اهالي الاعظمية، ووقفة مشرفة من قبل شخصيات دينية وعشائرية واجتماعية وفي مقدمتهم الشيخ عامر العزاوي رئيس مجلس اسناد القانون في الاعظمية، وتحرك سريع لقوى الأمن والقوات الساندة وبعض القيادات السياسية لرأب الصدع والسيطرة على الموقف واكمال مراسيم الزيارة وتفويت الفرصة على اعداء الوطن.
كلمة اخيرة.. الاجواء ملبدة في سماء العراق والمنطقة، وعصابات داعش ومن يقف معها سرا وعلانية داخل العملية السياسية وخارجها، داخل اطار الوطن وخارجه، يتحينون الفرص ويخططون لكل حادث ومناسبة لإيقاع الفرقة ونشر الاقتتال الطائفي، واحتلال مواقع جديدة من خارطة الوطن بدعم كبير وعلني من قبل دول عربية واقليمية ودولية وعصابات جريمة منظمة عالمية.
اذن الخطر كبير وواقعي وليس افتراضي، ماذا هيأت القوات الامنية المسؤولة عن حفظ أمن الزائرين وبغداد لهكذا افعال؟ نحن نقدر جهود وتضحيات قواتنا الامنية الباسلة وظهيرها الامين الحشد الشعبي الوطني لما بذلوه من جهود جبارة لإتمام الزيارة برغم الصعوبات والمؤامرات للنيل منها ومن اداءها... ولكن كان المفترض بقيادة العمليات ومن معها تأمين الطرق الخطرة والمناطق المفترض انها تشكل خطرا متوقعا، وذلك بانتشار قوات فوق سطوح المباني وتفتيش البنايات والدور المطلة على الشوارع التي تسير فيها المواكب ودراسة استخبارية ولوجستية وامنية ذكية لما يدور في الشارع وخلفه ومقترباته. انها تجربة يجب أخذ الدروس والعبر منها لتوحيد صفوف العراقيين ضد عدوهم المشترك (داعش) وأعوانه.
اضف تعليق