q

يحاول تنظيم "داعش" كسب المزيد من النجاحات الاعلامية التي اعتمد عليها بالأساس في اقناع الآلاف من المتطرفين للانضمام في صفوفه والمشاركة في جبهات القتال بسوريا والعراق، ومنذ نجاح التنظيم بالسيطرة على مناطق واسعة من شمال وشرق وغرب العراق في حزيران/ 2014، فشل التنظيم لاحقا في ضم المزيد من الاراضي بعد ان تم ايقاف تهديده بالتمدد نحو العاصمة بغداد او محافظات الوسط والجنوب، كما فشل في المحافظة على المناطق التي باتت في حكم سيطرته بعد احداث 9/6 والتي ادت الى سقوط محافظة الموصل بالكامل تحت ادارة عناصر التنظيم، وقد تباطأ تقدم التنظيم بشكل واضح في العراق كما هو الحال في سوريا (بخلاف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة التي تعاونت مع حركات مسلحة اخرى للسيطرة على مدينة ادلب)، وفي خضم النجاحات الميدانية للتنظيم لم يستطع حسم معركة "مصفى بيجي" او مدينة "تكريت" او حتى السيطرة على المربع الامني في محافظة "الانبار"، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تلقاها عناصره ومقاتلوه، وهو امر يماثل معركة "كوباني" السورية على الحدود السورية، والتي خسر فيها التنظيم (6000) مقاتل من دون ان يتمكن من دخولها.

لكن لابد من تشخيص مكامن الخلل التي مكنت تنظم داعش من التقدم صوب المجمع الحكومي وسط الانبار الخميس الماضي، على الرغم من التأكيدات الحكومية السابقة بان الوضع في الانبار تحت السيطرة وان القوات الامنية ستباشر بحملة امنية كبيرة لاستعادة الاراضي التي يستولي عليها داعش، ويبدو ان اخطاء الماضي ما زالت تتكرر بنفس الوتيرة في اطار الجهود الحكومية لمكافحة تمدد التنظيم في العراق وبالأخص في المناطق الغربية منه، وشملت هذه الاخطاء:

- الخلافات بين الكتل السياسية التي ولدت انعدام الثقة بين الحكومة المركزية ومن يمثل المناطق ذات الاغلبية السنية سياسيا، فدخول قوات "الحشد الشعبي" الى تلك المناطق ما زالت "معضلة" يجري النقاش حولها حتى اليوم، كما ان الاتهامات بضعف التسليح والامدادات العسكرية، اضافة الى الخلافات الداخلية بين العشائر اضعفت كثيرا التعاون بين هذه الاطراف، وسهلت تقدم عناصر التنظيم ومحاصرة القوات العراقية المرابطة في وسط الانبار.

- المؤسسة العسكرية الضعيفة في العراق، وهي مؤسسة حامت حولها الكثير من شبهات الفساد وغياب العقيدة، وعدم انضباط قادتها واركانها العسكريين، وبالتالي اصبحت غير قادرة بمفردها على تحمل مسؤولية تحرير تلك المناطق من ايادي التنظيم من دون مشاركة فعالة من قوات الحشد الشعبي وابناء المناطق الخاضعة للتنظيم، على الاقل حتى يحين الوقت الذي يتم فيه اعادة النظر بوضع المؤسسة العسكرية بصورة شاملة.

- نقص التسليح النوعي، (كالصواريخ والمدرعات والطائرات)، الذي يستطيع تغيير المعادلة وحسم الصراع لصالح القوات العراقية، اذ ينبغي ممارسة المزيد من الضغوط على الدول الكبرى لدعم وتسريع امداداتها العسكرية الى العراق، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية، واشار نائب الرئيس الامريكي "جو بايدن" بان "الدعم الأمريكي مستمر للمساعدة في مواجهة داعش وتسريع المساعدات الأمنية الأمريكية"، لكن الكلام لا يكفي عندما تكون المواجهة بهذا الحجم الكبير.

فرصة كبيرة

بعد ما حدث في الانبار بساعات قليلة القى رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" كلمة متلفزة وعد خلالها المواطنين بتحقيق نصر كبير على تنظيم "داعش" وطرده من الانبار، وفي الواقع لو تحقق هذا الكلام سيكون فرصة كبيرة للقوات الامنية لكسر هالة التنظيم الاعلامية التي غالبا ما يستخدمها لكسب المزيد من المقاتلين والسيطرة على ارضي جديدة، كما ستكون مقدمة مهمة للتقدم نحو الموصل بعد ان تم تحرير مدينة "تكريت"، اضافة الى ان معركة "مصفى بيجي" في طريقها للحسم ايضا، ومع التركيز الاعلامي الكبير من قبل داعش ووسائل الاعلام العالمية على تداعيات الانبار الاخيرة، تكمن "الفرصة الكبيرة" للقوات العراقية والحكومة المركزية في اثبات جدارتها والتعامل بسرعة لقلب المعادلة وتحقيق انتصار مهم في الانبار، وبالتالي، سلب اي انتصار يمكن ان يروج له داعش في الانبار او غيرها في المدن العراقية الاخرى بعد ان فقد الكثير منها في ديالى وبابل وكركوك وصلاح الدين واطراف بغداد وحتى الانبار في الآونة الاخيرة.

بالمقابل فان البطء في التعامل مع الازمة الحالية من قبل الحكومة المركزية، سيعطي الاولوية "للأعلام الداعشي" للحديث عن انتصارات في الرمادي، ولا يهم ما الذي سيحدث فيما بعد، السرعة مطلوبة في استعادة مناطق وسط الرمادي وفك الحصار عن القوات المحاصرة حاليا، اضافة الى التقدم باتجاه الاحياء القريبة التي يسيطر عليها التنظيم منذ ما يقارب السنة، فجبهة الرمادي ضرورية في المعادلة العسكرية التي تسعى الحكومة العراقية الى فرضها حاليا، والتراخي او الانسحاب لن يمكنها من تحقيق غايتها.

اضف تعليق