في لبنان، كما العراق، يقف الشعب في عمومه في مواجهة غير متكافئة مع نظام المحاصصة الطائفية الحد الأقصى الذي تعرضه حكومة الحريري ورئاسات لبنان الثلاث وحكومة عادل عبد المهدي ورئاسات العراق الثلاث، لا يلتقي أبداً مع الحد الأدنى من مطالب الجماهير الغاضبة... أزمة الثقة بالطبقة...
في لبنان، كما العراق، يقف الشعب في عمومه في مواجهة غير متكافئة مع "نظام المحاصصة الطائفية"... الحد الأقصى الذي تعرضه حكومة الحريري ورئاسات لبنان الثلاث وحكومة عادل عبد المهدي ورئاسات العراق الثلاث، لا يلتقي أبداً مع الحد الأدنى من مطالب الجماهير الغاضبة... أزمة الثقة بالطبقة السياسية هنا وهناك، تبدو مستفحلة، ومتعذرة على التجسير، والوعود الإصلاحية التي تُطلق اليوم، كان يمكن أن تكون فعّالة قبل سنوات... أما الآن، فهي قليلة ومتأخرة “Too little Too Late”.
في لبنان كما العراق، تكتمل العناصر الموضوعية للثورة على النظام القائم... "أزمة في القمة... وأزمة في القاعدة"... الحكم ما عاد قادراً على الاستمرار استناداً لأدواته ووسائله القديمة... الطبقة الحاكمة أفلست وباتت عاجزة عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها الدستورية... الخدمات معدومة، والنظام فاسد (فساد النظام وليس فساد في النظام)... فساد النظام هو المسؤول الأول عن فقر الناس وجوعهم وبطالتهم وانسداد الآفاق أمام مستقبل مشرق لأجيالهم القادمة... فساد النظام يسمم حاضر المواطنين ومستقبلهم على حد سواء، هذه هي الحقيقة الراسخة في أذهان وعقول وضمائر ملايين المواطنين.
في لبنان، كما العراق، لا يبدو "الشرط الذاتي" للثورة قد اكتمل كما اكتملت شروطها الموضوعية... ملايين الشباب والصبايا الذين أظهروا استعداداً هائلاً للنضال والتضحية، لم ينتجوا بعد أطرهم القيادية، و"التنظيم" ما زال في مراحله الأولى، والأهم أنهم ما زالوا بعيدين عن بلورة "برنامج عمل مشترك" لثورتهم، يجمعون عليه، أو تلتقي حوله غالبيتهم الساحقة... تلك مهمة صعبة في كل مكان، بيد أنها أكثر صعوبة، بوجود أحزاب وميليشيات طائفية ومذهبية، تسبغ على قياداتها قدراً من "القداسة"، وتحيط نفسها بهالة استعلائية على الجماهير، تخلط الديني بالدنيوي والدعوي بالسياسي.
في لبنان، كما العراق، يحضر "العامل الإقليمي/الدولي" بقوة ساحقة إلى حد كبير: إيران، تركيا، الخليج، إسرائيل، الولايات المتحدة والقوى الدولية... نظرية المؤامرة تحضر بقوة، وحرب الاتهامات المتبادلة تأخذ شكلاً تكفيرياً، تخوينياً وربما دموياً (في العراق يبدو الميل أكثر دموية)... لا حدود لتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، ولكل "مكون من المكونات" شبكة تحالفات وارتباطات تجعل مشروع الثورة والتغيير، أشد صعوبة.
في لبنان، كما العراق، يبدو الإصلاح المتدرج متعذراً، حتى لا نقول مستحيلاً... نظام المحاصصة قادر على استئناف يومياته المعتادة، ما أن تضع الاحتجاجات أوزارها... وقادر على ابتلاع الإصلاحات وتفريغها من أي مضمون، بل وتحويلها إلى مكاسب لرموزه وكياناته، ما أن يُرفع سيف الضغوط المتأتية عن احتشاد الملايين في الساحات والميادين والشوارع، وفي مختلف المدن... "الثورة" على هذا النظام، هي وحدها الكفيلة بتحقيق تطلعات الشعبين وأشواقهما، لكن شروط الثورة (من تحت) ليست مكتملة بعد.
في لبنان، كما العراق، لم يعد للمؤسسة العسكرية – الأمنية، دوراً طاغياً بعد أن فككت العدوانات الخارجية والحروب الأهلية هذه المؤسسات وأضعفت حضورها... في البلدين، ثمة لاعبين "لا دولاتيين – Non-State Actors’، أقوى من جيشي البلدين وأجهزتهما الأمنية مجتمعة (الحشد في العراق والحزب في لبنان"... لا مطرح للعسكريتارية، ولا فرصة لانقلاب الجيش على الطبقة السياسية... هذا ليس خياراً.
في لبنان، كما العراق، تبدو الانتفاضة الشعبية، كما لو أنها ثورة على الإسلام السياسي في طبعته الشيعية هذه المرة... حدثت ثورات وانقلابات مماثلة في بلدان عربية أخرى، بيد أنها توجهت تارة ضد "حكم العسكر" وأخرى ضد "الإسلام السياسي السنّي"، وثالث ضد طرفي هذه "الثنائية القاتلة"... في لبنان والعراق تبدو الصورة مختلفة كثيراً.
التغير في لبنان، كما العراق، لن يكون نتيجة لموجة ثورية واحدة، التغيير يأتي بنتيجة سلسلة من الانتفاضات المتعاقبة... التغيير يأتي بعد أن تنفضّ الجماهير وأجيالها الشابّة على وجه الخصوص، عن أحزاب الطوائف والمذاهب وأمراء الحرب والمليشيات، وتنجح في تشكيل أطرها الحزبية وتياراتها الجماهيرية، المدنية – الديمقراطية – العلمانية... كلا البلدين لا يمكن أن يُحكما بأحزاب دينية، وكلاهما بمسيس الحاجة لفصل الدين عن الدولة، وكلاهما بحاجة لنزع القداسة عمّا هو غير مقدس، أو يُراد له أن يكون كذلك، بقوة السلاح ورغم أنوف الجميع.
اضف تعليق