قادرة على تحسين حياة الانسان وليس من اجل دولة تعيد انتاج الاستبداد والتخلف والدكتاتورية والفساد والظلم ومصادرة الحريات، وهذا غير ممكن في ظل طبقة سياسية حاكمة بدائية متخلفة فاسدة غير ديمقراطية وغير حضارية، ومن هنا وجب ان يكون الهدف الستراتيجي البعيد للحراك الاجتماعي هو إقامة...
الناس يثورون بسبب الفقر او الجوع او الفساد او الظلم الى اخره. يثورون من اجل تحسين ظروف معيشتهم وحياتهم، وغالبا ما تكون الحلقة المركزية في ذلك ان تتوفر لهم فرص العمل الشريف والدخل الكافي والخدمات الجيدة. وهذه امور كلها مما يمكن توفيرها بدرجات مختلفة من السهولة او الصعوبة، تبعا لموارد البلد وقدرة ابنائه على العمل. يمكن تحسين مستوى حياة الناس بدون الحاجة الى عصا سحرية بيد الحاكم او المسؤول. واقول هذا عن تجربة عملية. فقد عملتُ على زيادة رواتب موظفي شبكة الاعلام حين توليت رئاستها، وذلك بالاستفادة من الادوات القانونية التي كانت متوفرةً انذاك، بما في ذلك القدرة المالية للدولة. لم اكن بحاجة الى عصا سحرية، انما الى مادة قانونية نافذة!
والناس في ثورتهم هذه ضد الجوع والفقر والطلم والفساد محقون تمام الحق، ولا يمكن، بل لا يجوز لومهم على ذلك.
وهم ينتظرون من السلطات القائمة والحاكمة في بلدهم ان تفعل شيئا لاشباعهم ورفع الظلم والحيف عنهم ومكافحة الفساد الذي افقرهم وظلمهم وميز بينهم. وحينما تعجز السلطات عن تحقيق ذلك، يثور الناس لا ضد الجوع فقط، وانما ضد السلطات ايضا. وهنا يرتفع الصوت بالشعار المعروف: الشعب يريد اسقاط النظام.
ولكن حتى يكون هذا الشعار مجديا، يجب ان يعرف الشعبُ النظامَ البديل الذي يمكن ان يحسن مستوى حياتهم فعلا، والا فليس من المعقول ان يهدم الشخص بيتا دون ان يجهز البيت البديل.
ودلت التجربة البشرية على تحسين حياة الانسان يكون في افضل حال في اطار دولة حضارية حديثة لان هذه الصيغة هي التي تتكفل حماية الانسان وحفظ كرامته وتوفير حقوقه، بلا ظلم او تمييز او فساد، لانها باختصار دولة الانسان.
خرج شباب وصبيان الى الشارع في الاول من تشرين الاول لانهم ادركوا انهم يواجهون مستقبلا مجهولا، ويعانون من حاضر مرير. لكنهم يتمتعون بحرية التظاهر والاحتجاج، فلجأوا الى استخدام هذا الحق القانوني للمطالبهم بحقوقهم الطبيعية. وليس لديهم خيار اخر.
انما ما علينا ان نركز عليه الان هو ان التظاهر والاحتجاج يجب ان يكون من اجل الحياة وليس من اجل الموت، من اجل الانتصار وليس من اجل الاستشهاد، من اجل دولة حضارية حديثة قادرة على تحسين حياة الانسان وليس من اجل دولة تعيد انتاج الاستبداد والتخلف والدكتاتورية والفساد والظلم ومصادرة الحريات. وهذا غير ممكن في ظل طبقة سياسية حاكمة بدائية متخلفة فاسدة غير ديمقراطية وغير حضارية. ومن هنا وجب ان يكون الهدف الستراتيجي البعيد للحراك الاجتماعي هو اقامة #الدولة_الحضارية_الحديثة، الاطار العام لتحقيق كل الاهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية الاخرى.
قد نرى هذا الهدف بعيدا او صعبا. وهذا صحيح، فهو ليس بالهدف السهل القريب، لكنه ليس مستحيلا، وبالتاكيد ليس بحاجة الى عصا سحرية.
اضف تعليق