آراء وافكار - مقالات الكتاب

لو

لو كان أعضاء البرلمان يمثلون الشعب حقا لما حدثت التظاهرات، ولوجدت مشاغل الناس وهمومهم وتطلعاتهم انعكاسا لها في تشريعات البرلمان، ولجاهدوا ايما جهاد في سبيل رفع الضيم والحيف وانتهاك الكرامة وتخليص الناس من الفقر والحرمان وسوء الخدمات والسكن في العشوائيات واعادة الهيبة للعراق...

لو كان أعضاء البرلمان يمثلون الشعب حقا لما حدثت التظاهرات، ولوجدت مشاغل الناس وهمومهم وتطلعاتهم انعكاسا لها في تشريعات البرلمان، ولجاهدوا ايما جهاد في سبيل رفع الضيم والحيف وانتهاك الكرامة وتخليص الناس من الفقر والحرمان وسوء الخدمات والسكن في العشوائيات واعادة الهيبة للعراق، لكن تمثيلا حقيقيا لم يتحقق في مجمل العملية السياسية الجارية التي اريد لها الارتقاء بالبلاد والنهوض بالعباد.

والسؤال كيف وصل هؤلاء لقبة البرلمان؟ وهنا نقول: لو كانت الآليات الديمقراطية المعتمدة في تجربتنا سليمة لما وصل الى البرلمان اناس لا يمتون بصلة حقيقية للشعب، ولما وجدنا من يغلّب مصالحه الشخصية والحزبية على المصالح الوطنية، ومن يحرص على كرسي الحكم، ويغض البصر عن دماء تهدر في الشوارع، لو كانت الآليات الديمقراطية رصينة لما تشكلت حكومات المحاصصة، التي أذاقتنا الأمرين، وعادت بالبلاد الى الخلف.

ولو كان منسبوب الروح الوطنية عاليا لدى الحكومات المتعاقبة لأطلقت حزمها الاصلاحية منذ سنوات، وليس في أعقاب التظاهرات او عندما تهتز الكراسي، بدءا بحكومة المالكي ومرورا بالعبادي وانتهاء بعبد المهدي، فلم تأخرت الوعود الوردية التي صدحت بها حناجر الرئاسات الثلاث؟ ولو كان الانتماء الوطني عميقا لما أصبح البعض ذيلا لهذا الطرف الأجنبي او ذاك، ولما انتظر البعض املاءات الغرباء ليتسنى له الرد على مطالب الشباب المرابط في ساحة التحرير والنجف والديوانية والناصرية والسماوة وغيرها.

ولو كان تفسير المحكمة الاتحادية لبعض المواد الدستورية المختلف عليها بين الطامحين لتصدر المشهد السياسي صحيحا ومستقلا ومتحررا من الضغوط التي تمارسها الاحزاب المهيمنة بقوة السلاح وليس بالإقناع، لما كُلف الخاسر في الانتخابات بتشكيل الحكومة، بينما يخرج الفائز فيها بخفي حنين، ولما تجذرت المحاصصة حتى وصلت الى أصغر دوائرنا التنفيذية، وصار الخلاص منها بحاجة الى ثورة لا ندري حجم أثمانها.

ومع ذلك لا يمكننا ان ننفي وجود أناس وطنيين راغبين بتقديم ما بوسعهم لشعبهم، لكنهم غدو في ظل عبثية سياسية حلقة صغيرة في منظومة كبيرة لا يعني لها العراق شيئا بقدر ما تجنيه من مكاسب، وبذلك يتعذر التغيير الذي يتطلع له العراقيون منذ عقود.

وبعد كل الذي حدث والذي كشف عن الايغال في قمع ارادة الجماهير التي مثلت روحا وطنية عالية لإعادة العراق الى مكانة يستحقها، وليس مثار سخرية للآخرين، فهل يكمن الحل في الحزم الاصلاحية التي أطلقتها الحكومة، وهل هي قادرة على تحقيقيها؟ ومع يقيني بعدم قدرتها على تنفيذ جميع ما وعدت به.

وان الذي سيتحقق لا يعدو أن يكون مسكنات لجرح غائر، لأن الخلل الأكبر يكمن في بنية العملية السياسية وآلياتها الديمقراطية الزائفة التي مكنت الأحزاب من التغول والاستعداد لسحق كل من يقف في طريقها، وأظن ان المشكلة لن تُحل ببضع آلاف من فرص التعيين او قطع الاراضي وغيرها مما تراه الحكومة حلا.

فالمشكلة ستتعاظم ككرة الثلج وستنفجر في يوم ما، وستركب الموجة قوى دولية معروفة بشكل يجعل الجماهير تصفق لأية حالة تغيير تطول الوجوه السياسية الراهنة، وهو ما لا نرغب به، فلا نريد للتغيير أن يكون بأيد الغرباء، فالخسائر ستكون جسيمة، والتجربة الراهنة مثالا، فلِمَ نوصل الامور الى ما وصلت اليه لنتشبث بذرائع المندسين والتوظيف من قوى تريد بالعراق شرا، وليكن معلوما ان الناس لم تنتفض ضد جوهر النظام السياسي السائد، فلا أحلى من الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير.

لكنها انتفضت ضد الفاسدين الذين يرفعون شعار الديمقراطية زيفا ويطبقون الدكتاتورية بأبشع صورها، تظاهروا ضد واقع مزر لا يليق بالشعوب الحية أن تعيشه ، ثاروا من أجل عراق متقدم وليس في ذيل القوائم، عراق متحضر ينعم أهله بالرفاهية والحياة الكريمة.

والسياسي الذي لا يستحي مما وصل اليه العراق، ولا يرى في نفسه مسؤولا، لا يستحق أن يجلس في المكان الذي هو فيه الآن، عليه أن يخليه لمن يستطيع أن يخدم هذا الشعب الذي قضى وطرا من تاريخه محروما من ثرواته وحرياته وطاقاته الخلاقة، علينا أن نباشر باصلاحات حقيقية وليس ترقيعية، ولو باشرنا بذلك بروح وطنية وارادة صــادقة لندملت الجروح الغائرة الى الأبد.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق