يبدو أن هناك دوراً قادماً لمحمد دحلان وجماعته التيار الإصلاحي كما يسمون أنفسهم، في المرحلة القادمة في قطاع غزة، ومع أن هذا الدور ليس بالجديد لأنه مرسوم ومُخطط له قبل سيطرة حماس على القطاع، إلا أنه عاد قبل سنوات قلائل بعد مصالحة بينه وبين حماس...

يبدو أن هناك دوراً قادماً لمحمد دحلان وجماعته –التيار الإصلاحي- كما يسمون أنفسهم، في المرحلة القادمة في قطاع غزة، ومع أن هذا الدور ليس بالجديد لأنه مرسوم ومُخطط له قبل سيطرة حماس على القطاع، إلا أنه عاد قبل سنوات قلائل بعد مصالحة بينه وبين حماس بعد القطيعة بينه وبين الرئيس أبو مازن والأوضاع الصعبة التي مرت بها حماس بعد سقوط حكم الإخوان في مصر 2013، وقد كتبنا في بداية شهر يناير 2014 مقالاً حول الموضوع تحت عنوان:(التقارب بين حماس ودحلان لصالح مَن؟ وعلى حساب مَن؟).

واليوم يتعزز دور دحلان وتياره وتتعزز العلاقة بينه وبين حماس، وهناك أسباب عديدة وراء ذلك:

1- المأزق المالي والسياسي لحركة حماس ووصول مشروعها (الإسلامي) لطريق مسدود، أو هكذا يراهن دحلان.

2- انكشاف مهزلة حوارات المصالحة وبالتالي شبه استحالة إنهاء فصل غزة عن الضفة وعودة السلطة برئاسة أبو مازن لقطاع غزة.

3- مؤشرات انتهاء الدور الوظيفي المُسند لقطر من واشنطن وتل أبيب وهو دور سيملأ دحلان فراغه مدعوماً بأموال دولة الإمارات من خلال مؤسسة التكافل والأموال التي ستأتي لاحقاً وهو أيضا دور وظيفي.

4- الهدنة التي وقعتها حركة حماس مع إسرائيل وهذا سيجنب جماعة التيار أي حرج في موضوع المقاومة المسلحة وسلاح المقاومة.

5- استمرار وجود عدو مشترك لهما وهو الرئيس أبو مازن.

6- ضعف تنظيم حركة فتح في غزة وعدم الانسجام بين قياداته وهو ضعف سيتزايد كلما تعزز الانقسام كما أن التنظيم يفقد حلفائه التقليديين والتاريخيين من فصائل منظمة التحرير.

7- انغلاق أفق التسوية السياسية وحل الدولتين أضعف السلطة والمشروع السياسي للرئيس أبو مازن وأدى لتراجع مراهنة أهالي غزة على السلطة وحركة فتح لحل مشاكلهم المالية والمراهنة عليهما مستقبلياً.

8- فشل أحزاب اليسار في تشكيل حالة وطنية بديلة أو منافسة وخصوصاً في قطاع غزة، بل هناك مؤشرات لخروج أغلبها من مربع منظمة التحرير ومشروعها السياسي لمربع جديد يشملها مع حركة حماس وجماعة التيار الإصلاحي.

وهكذا نلاحظ في الأشهر الأخيرة أن أنصار محمد دحلان يتوافدون بأعداد كبيرة إلى قطاع غزة ويمارسون نشاطهم السياسي علناً دون أي عائق من حركة حماس، وكثير من هؤلاء العائدين كان دمهم مطلوباً لحركة حماس مثلهم مثل دحلان نفسه، وتوجد أقاويل حول إمكانية إجراء انتخابات لجماعة التيار تتمخض عنها قيادة سياسية واضحة وربما اسم جديد للجماعة.

والسؤال الذي يفرض نفسه من أين جاء دحلان بأنصاره وكيف شكل حالة سياسية في قطاع غزة وخارجه وهو الذي لا يملك مشروعاً سياسياً حول القضية الفلسطينية بشكل عام، وتوجهاته السياسية لا تختلف عن توجهات وبرنامج الرئيس أبو مازن وحركة فتح؟.

لا شك أن أموال دحلان والإمارات لعبت دوراً مهماً في تحشيد المناصرين، ولكن ليس هذا السبب الوحيد، وليس كل تأييد لدحلان كان مقابله المال.وهكذا بالإضافة إلى الخلية الصلبة لدحلان من رفاقه الأوائل في المعتقلات الإسرائيلية وفي الأمن الوقائي فقد استقطب دحلان جزءاً من أبناء فتح نتيجة سوء تصرف وإدارة من قيادة تنظيم فتح بوعي أو بدون وعي منهم، وهنا استحضر ما كتبه الأخ هشام ساق الله على موقعه تحت عنوان (فزاعة دحلان)، هذه الفزاعة التي أدت لتنفير كثيرين من أبناء حركة فتح من تنظيم فتح.

فزاعة دحلان معناها التخويف المُبالَغ فيه من طرف بعض قيادات تنظيم فتح ومن السلطة من دحلان وقدراته ومخططاته التآمرية كما يقولون، حيث نصب البعض من قيادات حركة فتح ومن بطانة الرئيس نفسه وصياً على حركة فتح وعلى المشروع الوطني ويتصرفون باستعلاء مع من هم دونهم في الرتب التنظيمية، وكأن هؤلاء الأوصياء ملائكة لا يأتيهم الباطل أبداً، وكأن لا ذاكرة للشعب أو ذاكرته ضعيفة.

وهكذا ما أن ينتقد فتحاوي أو مواطن عادي سلوك خاطئ أو فساد أو جهل لأحد هؤلاء الأوصياء أو حتى إن قدم له نصيحة، فإنه سرعان ما يتم اتهامه بمعاداة الرئيس أبو مازن ومعاداة حركة فتح، فإن كان له توجه إسلامي يتم اتهامه بأنه حمساوي وإن لم تزبط تهمة الحمساوية يتم اتهامه بأنه دحلاني، وإن تمادى هذا المشاكس في انتقاد الأوصياء فستطارده التقارير الكيدية التي قد تؤدي لقطع راتبه أو استبعاده من وظيفته والتشهير به.

للأسف هذا يحدث كثيراً في قطاع غزة على وجه الخصوص، والسيد الرئيس أبو مازن غير متفرغ للتدقيق في صحة هذه التقارير والاتهامات، كما أن قيادة فتح في الضفة لا وقت لها ولا رغبة أيضاً بأن تهتم بما يجري في قطاع غزة، والطرفان –الرئيس واللجنة المركزية- لم يَعودا يطيقان أو يصبران على سماع أي شيء يتعلق بغزة ومشاكلها، وبالتالي يُترك الأمر لقيادة فتح في القطاع ولجماعة غزة في المقاطعة للتصرف حسب هواهم، ونفس الأمر بالنسبة للأقاليم الخارجية.

مع تكرار الاتهامات والتضييق على الفتحاويين الوطنيين الذين لا يسكتون على الخطأ ويريدون التغيير بما يعزز ويقوي حركة فتح وبما فيه المصلحة الوطنية، يضطر هؤلاء إما إلى الابتعاد عن تنظيم فتح والانكفاء على الذات، أو يتخذ بعضهم ردة فعل سلبية كنوع من المناكفة والرغبة بالانتقام ممن همشوهم وأذلوهم وتنكروا لتاريخهم النضالي وخصوصاً إن قُطعت رواتبهم على خلفية العلاقة بدحلان، فيذهبون إلى جماعة دحلان دون تفكير بماهية مشروع دحلان السياسي ودوره فيما جرى ويجري من أحداث.

كما أن دحلان استقطب كثيرين من الأنصار والمؤيدين من الجيل الصغير غير المنتمي، ومن الغاضبين والمستاءين من الأحزاب الأخرى، الذين يعتقدون أن دحلان قد يشكل حالة وطنية جديدة، كما لا نتجاهل لعب دحلان وجماعته على وتر الانتماءات والأصول الاجتماعية والإحساس بالمظلومية من بعض المكونات المجتمعية وخصوصاً في قطاع غزة ومخيمات الضفة والشتات.

Ibrahemibrach1@gmail.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق