تختلف معايير إدارة المؤسسات في الأنظمة الشمولية عن التعددية، فالأول يحافظ على السلطة ويمسكها بقوة الحديد، والثاني يسعى لبناء مؤسسات تخدم الدولة ومواطنيها، في السياق المتبع في كثير من الأحزاب، وما جرى عليه العرف السياسي، كإنعكاس لتعميق المحاصصة، ومحاولة إثبات الذات، لدى الكم الهائل من الأحزاب...

يُعرف عن الدكتاتورية والشمولية، خوفها من إنفراط السلطة من سطوتها، فجعلت على رأس كل مؤسسة حزبياً منها.. بحسب التدرج الحزبي، بغض النظر عن الدرجة العلمية والكفاءة والأمانة.

كانت أحياناً تربط الترقية حسب الدرجة الحزبية والولاء، ولا مكان لمن يخالف هذا الحزب في المؤسسة، ولا أحد يتحدث عن فساد المسؤول، لأن المساس به يعتبره الحزب مساس بكل الشعارات والوطنية التي يدعيها، الذي يعتبر نفسه فريدا لا مثيل له.

تختلف معايير إدارة المؤسسات في الأنظمة الشمولية عن التعددية، فالأول يحافظ على السلطة ويمسكها بقوة الحديد، والثاني يسعى لبناء مؤسسات تخدم الدولة ومواطنيها.

في السياق المتبع في كثير من الأحزاب، وما جرى عليه العرف السياسي، كإنعكاس لتعميق المحاصصة، ومحاولة إثبات الذات، لدى الكم الهائل من الأحزاب في الساحة العراقية، حتى وصلت المحاصصة لقعر المؤسسات.

لم تكتفي بالتحاصص في مجلس الوزراء، بل وصلت لتقاسم كل المواقع في المؤسسات، وتقاسمت التعينات حسب الناتج الإنتخابي، أو المحسوبية للوزير نزولاً الى ما إستخدمت الدرجات الخاصة من تعينات وعادة تكون جلها لحزبه، والغرض من ذلك لتقاسم النفوذ وما ينعكس عليه من ثروات ونفوذ لمحصلة إنتخابية.

يبدأ تحرك القوى السياسية بعد كل دورة، للهيمنة على المؤسسات، وكل يتعكز على وزنه الإنتخابي، ويتم توزيع المناصب من أعلاها الى أدناها، ومنها ترشح شخصيات لإدارة المؤسسات وفق الإنتماء الحزبي، متغاضية عن الكفاءة والتدرج الوظيفي والقدرة على الإدارة، ويتبعها سلسلة تغييرات بدءً من الحاشية، وإنتهاء بإبعاد كل من لديه إرتباط بالمسؤول السابق، ومن الأعراف؛ أن المسؤول يحق له نقل حاشيته معه؟!

إول تحركات المسؤول الجديد هي إعادة تركيب المؤسسة، وتغيرها من مكتبه الخاص الى أثاثه وإيقاف قرارات سابقه ووضع سياقات جديدة، والبحث عن موظفين موالين لحزبه، حتى يتحكم بالحكر على تلك المؤسسة، وينفرد أعضاء من الحزب أحياناً بالموظفين.

إعتمدت هذه السياقات لدى معظم القوى السياسية، وكأن العرف السياسي جزء من دستور محاصصة خارج الدستور العراقي، بذريعة الإستحقاق الإنتخابي، أو من دعوى مشاكتها في إدارة الدولة، وإمتدت منها أذرع وتفرعات تخالف سياق الدولة المؤسسية، أو خارج منطق الأحزاب التي من المفترض إنطلاقها ببرامج بناء دولة، وتحترم المواطنين بغض النظر عن إنتمائهم.

إدارة الدولة بهذا الشكل لا يختلف عن إدارة الحزب الواحد، وشمولية ذات تفرعات، وأشد من الدولة العميقة الذي يفرضها ذلك الحزب، من خلال التسلط على المؤسسات وإجتثاث مخالفهم، وهنا سلطة واحدة وتخدم جمهور معين، بينما بهذه المحاصصة العميقة تبدد السلطة وتتقاطع وتستهدف الإطاحة بكل الشرائح، وتصبح القوى السياسية فاقدة للثقة فيما بينها، ولا تعمل لجمهورها قدر سعيها لتعميق المحاصصة والنفوذ والمنافع، وتتكالب على المؤسسات للحصول على المغانم.

أدى تعميق المحاصصة بهذا الشكل، الى نسف الدولة كل أربعة أعوام، وفي كل دورة إنتخابية، يؤسس الى إدارة حزب حاكم في كل مؤسسة، وتتحول الى مؤسسات رادعة لمن يختلف مع إدارة الحزب الجديد.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق