الرئيس الامريكي "باراك اوباما" وهو يقترب من نهاية فترته الرئاسية الثانية كأول رئيس للولايات المتحدة الامريكية من اصول "افريقية"، اثار الكثير من الجدل بعد ان اتبع سياسات خارجية مغايرة للرؤساء السابقين، وبالأخص لسفه "جورج بوش" الابن، هذا الجدل انطلق من اقرب حلفائه ومن يشاطره السلطة في القرار الامريكي من نواب ووزراء ومستشارين، اضافة الى حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في العالم، سيما الشرق الاوسط كإسرائيل ودول الخليج، وقد بنى اوباما سياسته الخارجية على مبدأ "يجب الا ننجر الى حرب طويلة في الشرق الاوسط"، واستبدل مبدأ "الحروب الاستباقية" التي شنها بوش في الشرق الاوسط بعد احداث 11/ سبتمبر، بمبدأ "القيادة من الخلف" او "الصبر الاستراتيجي" وصولا الى تشكيل "التحالفات الدولية" في مكافحة الارهاب العالمي، وهو هدف يشترك فيه مع الرئيس الامريكي السابق، لكن هل استطاع اوباما بسياسته الجديدة التي ابعدت الولايات المتحدة الامريكية عن الحروب التقليدية في الغزو البري كما فعل سلفه في افغانستان والعراق؟
يمكن الاجابة بنعم على هذا السؤال، لكن هذه الاجابة تعبر عن نصف الحقيقة، فالولايات المتحدة الامريكية التي وصفت سياستها الخارجية بالضعف عن التأثير بالأحداث الخارجية والتردد في اتخاذ المواقف الحازمة، كانت حاضرة في اغلب الصراعات الشرق اوسطية، ولم تستطع الابتعاد كثيرا عن الحروب او المشاركة فيها، كما وعد اوباما بذلك بعد ان اكد ان قدرة الولايات المتحدة الامريكية، رغم قوتها، تبقى "محدودة"، وان حروب بوش السابقة كلفت الولايات المتحدة الامريكية اكثر من 4 ترليون دولار امريكي، وهو مبلغ كبير كان يمكن استثماره في مجالات اخرى تخدم الشعب الامريكي، حتى ان الرئيس الامريكي اوباما لم يستطع حتى اليوم، انهاء او سحب جنوده من افغانستان، بل انه اعاد الالاف من الجنود الامريكان الى العراق بعد سقوط الموصل في 9/ حزيران من العام الماضي، بعد ان سحبهم من العراق قبل 3 سنوات، ومع تأكيده انهم لن يشاركوا في مهام قتالية، الا انهم نفذوا مهام قتالية بالقرب من قاعدة "عين الاسد" العراقية التي تقع في البغدادي 200 كم غرب الرمادي، اضافة الى تأكيدات وزير الدفاع الامريكي امام الكونغرس بان مكافحة الارهاب في العراق قد تتطلب مهام قتالية على الارض.
كما ان مساهمة الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب والصراعات الاخرى في الشرق الاوسط شملت:
- توجيه الضربات الجوية وعشرات الصواريخ (توماهوك)، من بارجات أمريكية، التي انهت الدفاعات الجوية والصاروخية لنظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، وفرضت حضرا جويا شاملا، بمساعدة حلف الناتو وعدد من الدول الغربية، واطلقت الولايات المتحدة الامريكية اسم "فجر اوديسا" على هذه العملية.
- مضاعفة الضربات الجوية بطائرات مسيرة من دون طيار في افغانستان وباكستان واليمن والعراق وسوريا والصومال...الخ، وقد احدثت الكثير من هذه الضربات ازمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها، كما حدث مع باكستان وافغانستان.
- تشكيل تحالف دولي يضم اكثر من 60 دوله غربية وعربية لمكافحة تنظيم ما يعرف (الدولة الاسلامية/ داعش) في العراق ولاحقا في سوريا (في العراق تم اخذ موافقة الحكومة العراقية اما في سوريا فاكتفى اوباما بتحذير نظام الاسد بعدم التعرض للطائرات الامريكية في سماء سوريا)، لتوجيه ضربات جوية مركزة لاستهداف عناصر التنظيم واماكن القيادة والاتصال وابار النفط التي استولى عليها التنظيم بعد سيطرتهم على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
- مساعدة السعودية في عمليتها العسكرية الاخيرة "عاصفة الحزم" ضد اليمن، والتي اشتركت فيها 9 دول عربية، وقدمت الولايات المتحدة الامريكية الدع اللوجستي والاستخباري لطائرات "التحالف العربي" خلال قصفها اليمن، كما سيرت العديد من قطعها البحرية الحربية العملاقة في المياه الاقليمية وقرب "باب المندب"، والذي سبب تصاعد التوتر في المنطقة خصوصا بعد الحساسية العالية التي ابدتها ايران تجاه هذا التواجد الامريكي.
لكن ومع هذه التدخلات، استطاع اوباما ان يدير اللعبة بذكاء وبصورة اكثر فاعلية عن سلفة الجمهوري، وربما كان هذا الاداء الامريكي الجديد، سببا في امتعاض الحلفاء من سياسات امريكا الخارجية في زمن اوباما، ففي السابق كانت الصراعات تحسم عن طريق التدخل العسكري الشامل (البري والبحري والجوي)، وهي مشابهة في كيفتها لمعظم الحروب التقليدية التي جرت في العالم، كما ان "بوش" لم يكن يشارك الاخرين (شعارة المشهور "من لم يكن معي فهو عدوي") في الراي او العمل، او حتى انتظار قرار اممي يسمح له بالتدخل (كما حدث عندما قرر غزو العراق عام 2003 من دون الرجوع للأمم المتحدة، بخلاف اوباما الذي ساهمت بلادة في ليبيا بعد قرار من مجلس الامن الدولي وبموافقة الجامعة العربية)، والنتيجة كانت ان كلا من "بوش" و"اوباما" دخلوا في حروب ما زالت مستمرة وستنتقل للرئيس الجديد، الا ان كلاهما انتهج طريق يختلف عن الاخر في ادارتها اضافة الى ادواتها المستخدمة، بين الجيوش والغزو البري والاحتلال المباشر او الطائرات والضربات الجوية ودعم المقاتلين، فالحرب تبقى هي الحرب وان اختلفت ادواتها وطرق ادارتها.
اضف تعليق