ما يجري من فتنة وحصار وهدنة وتجويع في قطاع غزة، وما يجري في الضفة والقدس من تضييق مالي على السلطة وصمت مريب على عمليات الاستيطان والتهويد، وفشل كل جهود المصالحة، كل ذلك غير منفصل عن المساعي الحثيثة للإدارة الامريكية لشطب اسم فلسطين من الخارطة السياسية...
لا شك أن التفجيرين اللذين استهدفا حاجزي شرطة لحركة حماس في مدينة غزة يوم الثلاثاء 27 أغسطس وأودت بحياة ثلاثة من عناصرها هو عمل إجرامي مدان بالرغم من كونه ليس المرة الأولى التي تحدث فيها هكذا أعمال اغتيال أو اشتباكات بين أمن حماس وجماعات تُوصف بالسلفية أو التكفيرية وخصوصاً بعد سيطرتها على قطاع غزة، أيضا قيام هذه الجماعات باختطاف صحفيين أجانب والاعتداء على محلات وصالونات حلاقة الخ. هذا إذا ثبتت حركة حماس على روايتها من اتهام جماعات أصولية متشددة بالمسؤولية، حيث اتهم فوزي برهوم أحد الناطقين باسم حماس المخابرات الفلسطينية بالمسؤولية عن الحادث.
إذا ما استثنينا أعمال العنف المتبادل بين حركتي فتح وحماس أيام انقلاب حماس على السلطة يوم 14 يونيو 2007 وما سبقها وما تبعها من اغتيالات، فقد جرت عدة تفجيرات ومواجهات استهدفت حركة حماس منها التفجيرات على شاطئ البحر يوم الخامس والعشرين من يوليو عام 2008 واتهمت حماس آنذاك أجهزة السلطة في رام الله بالوقوف وراء الحدث وتم اعتقال الشاب السكني لسنوات طوال إلى أن تم إبعاده إلى مصر، والمواجهات بين أمن حماس وجماعة الشيخ عبد اللطيف موسى الملقب بأبي النور المقدسي زعيم جماعة (أكناف بيت المقدس) حيث تم مهاجمة المسجد الذي يتحصن فيه في مدينة رفح يوم الخامس عشر من أغسطس 2009 وتم قصف المسجد على من فيه حيث سقط قتلى حوالي 30 شخص، وبعدها جرت مواجهات مسلحة مع جماعة ممتاز دغمش زعيم (جيش الإسلام) الذي أعلن مبايعته للبغدادي وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى عشرات الصدامات وحملات اعتقال لعناصر تنتمى لتنظيمات متطرفة وحتى لتنظيم حركة فتح حيث تم تفجير منازل وسيارات لقيادات فتحاوية يوم الجمعة السابع من نوفمبر 2014، وآنذاك أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته إلا أن مسؤولين في حركة فتح اتهموا حماس بالمسؤولية، وهناك من اتهم عملاء إسرائيل بالمسؤولية.
كل ما سبق ليس خارج التاريخ السياسي للعلاقة التنافسية والصراعية بين الأحزاب الفلسطينية ولا خارج سياق الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، وهنا نذكر بأعمال أبو نضال البنا واغتيال قيادات وسفراء في الدول الأوروبية وغيرها وما جرى وقت الانشقاق داخل حركة فتح 1983، إلا أن ما يجري اليوم يضعنا أمام ظاهرة خطيرة وتهديد كبير يستهدف اغتيال الشعب والقضية والهدف تدمير حصانة المجتمع وتحويل طبيعة الصراع من مواجهة بين الشعب بكل قواه السياسية ضد إسرائيل إلى صراع وفتنة وحرب أهلية داخلية بصيغة قريبة مما يجري في بعض الدول العربية التي يتم تدميرها داخلياً وبأدوات داخلية حتى وإن كانت ممولة وموجهة من جهات معادية.
ما يجري من فتنة وحصار وهدنة وتجويع في قطاع غزة، وما يجري في الضفة والقدس من تضييق مالي على السلطة وصمت مريب على عمليات الاستيطان والتهويد، وفشل كل جهود المصالحة، كل ذلك غير منفصل عن المساعي الحثيثة للإدارة الامريكية لشطب اسم فلسطين من الخارطة السياسية وتجاوز قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين، كلها أمور مرتبطة مع بعضها البعض هدفها اغتيال الشعب والقضية الوطنية.
لقد سبق وأن حذرنا من الفتنة الداخلية والحرب الأهلية سواء في الضفة أو غزة وقلنا إن الفتنة والحرب الداخلية أخطر من أي حرب أو عدوان إسرائيلي. بالرغم من أن التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني موحدة ومنسجمة عرقياً وطائفياً إلا أن الانفصال الجغرافي وحدة الصراع على السلطة وقوة التدخلات الخارجية التي تتزايد كل يوم نتيجة الفقر والجوع أو قوة تأثير ايديولوجيات دينية مضللة يغذيها الفقر والبطالة والجهل، وتوقف المقاومة والمواجهة الساخنة مع الاحتلال، بالإضافة إلى اختراق حصانة المجتمع من خلال العملاء ونخب مرتبطة مصلحياً بالاحتلال، كل ذلك يهيئ بيئة خصبة لفتنة وحرب أهلية.
منذ بداية الصراع مع العدو الصهيوني لم يتمكن هذا الأخير من اختراق حصانة المجتمع الفلسطيني أو هزيمته عسكرياً لدرجة تدفعه وتدفع قياداته للتسليم والقبول بالشروط الإسرائيلية والأمريكية للتسوية، نعم، لعبت القيادات على الخطوط الحمر وأحيانا تجاوزتها، وبالغت في المراهنة على حسن نية واشنطن بل وتل أبيب، نسجوا شبكة مصالح معهما، أوقفوا المقاومة وساوموا عليها، فسدوا وأفسدوا الشعب، ووصل النظام السياسي الفلسطيني لطريق مسدود بل أصبح فاشلا سواء في غزة أو الضفة الخ، ولكن كل ذلك لم ينهي القضية الفلسطينية ولم تشعر إسرائيل بالطمأنينة والأمان بل ما زالت تتخوف من الشعب ومفاجآته، فقررت إسرائيل الاستنجاد بواشنطن من جانب ومحاولة اغتيال الشعب والقضية بالفتنة والحرب الأهلية القذرة من جانب آخر.
وأخيرا نحذر مما هو آت ونطلب من الله أن يحمي فلسطين وأهلها وخصوصاً قطاع غزة من فتنة ستغذيها إسرائيل، وهي فتنة لا تجدي معها المعالجات الأمنية فقط، فهذه المعالجات وحدها ستزيد من تأزم الأمور.
اضف تعليق