q
شهد المضيق في الفترة الأخير تصعيدا خطيرا وتهديدات أمنية بعد التصعيد السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لاسيما بعد الحوادث الأمنية المتكررة من تفجير ناقلات بحرية وطائرات تجسس أمريكية وحادثة احتجاز بعض الناقلات من قبل الحرس الثوري الإيراني، مما أثر على طبيعة الملاحة الدولية...

يُعد مضيق هرمز من الناحية القانونية من المضايق الدولية، إذ يربط بين خليج عمان والخليج العربي، ويمثل أهمية كبيرة للتجارة العالمية، ويمر عبره حوالي 40% من الإنتاج العالمي للطاقة، كما يتم تصدير من خلاله ما يقرب 17 مليون برميل من النفط كل يوم.

وقد شهد المضيق في الفترة الأخير تصعيدا خطيرا وتهديدات أمنية بعد التصعيد السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لاسيما بعد الحوادث الأمنية المتكررة من تفجير ناقلات بحرية وطائرات تجسس أمريكية وحادثة احتجاز بعض الناقلات من قبل الحرس الثوري الإيراني، مما أثر على طبيعة الملاحة الدولية في المضيق، واذا ما استمر، فإنه سيعرض الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي إلى خطر كبير؛ لأن جميع مستوردي النفط أو الغاز الطبيعي في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية يعتمدون على المرور الآمن للشحن عبر المضيق.

إن التراجع عن خيار الضربة العسكرية من قبل الإدارة الأمريكية على طهران، أدى بالأخيرة إلى القيام بعمليات تعرضية على بعض السفن والناقلات المارة بمضيق هرمز، من أجل مقاومة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على طهران وايجاد منافذ لتسويق منتجاتها النفطية، وقد أدت عملية احتجاز الناقلة البريطانية إلى تعقيد الوضع الامني في المضيق، وبدأ الوضع الاستراتيجي يتعرض لهزات أمنية كبيرة، لاسيما بعد دخول بريطانيا على خط الأزمة.

ونتيجة لذلك بدأ الحديث عن تشكل تحالف أوروبي لحماية أمن الملاحة في مضيق هرمز وتأمين عملية الشحن الدولي من خلاله؛ الأمر الذي لم يعجب إيران، إذ ترى فيه، بأنه سيتسبب في انعدام الاستقرار. هذا التحالف وان لم يشكل بعد، إلا أنه يبدو فيه الكثير من الاشكاليات منها:

• اشكالية التشكيل، من الواضح أن المحادثات الخاصة بتشكيل تحالف دولي لحماية أمن الملاحة الدولة في مضيق هرمز لم تتبلور بعد حتى الآن، فالولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تشكل التحالف وفقاً لرغباتها، بموازاة ذلك، فإن بريطانيا تتحدث عن تحالف دولي، فضلاً عن ذلك، فإن فرنسا هي الأخرى تتحدث عن تشكيل تحالف دولي ربما يكون بقيادتها بالاشتراك مع بريطانيا، وفي ظل هذه الاشكالية تبرز لنا إشكاليات أخرى.

• اشكالية القيادة، على الرغم من أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي تدعم فكرة تشكيل تحالف دولي لحماية أمن الملاحة في مضيق هرمز، إلا أن قيادة التحالف لم تتضح بعد، فالبعض يتحدث عن قيادة أوروبية – أمريكية مشتركة، والبعض الأخر يتحدث عن قيادة أوروبية فقط، بعيدة عن حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة بشكل مباشر؛ وذلك من أجل احداث توازن في حل مشكلة النزاع في مضيق هرمز، وارضاء الجانب الإيراني بعدم اشراك خصمه المباشر في عملية إدارة أمن الملاحة في المضيق بالقرب من أمنه المائي. وعلى الرغم من أن هذه الاشكالية، ربما تحل عن طريق قيادة بريطانية – فرنسية مشتركة، إلا أنها ستواجه بمعارضة إيرانية في حال تمت بالفعل.

• الاشكالية القانونية، ان اتفاقية الامم المتحدة لأعالي البحار الصادرة عام 1982 عرف مضيق هرمز بأنه "مضيق دولي"، وعليه لا يحق لأي دولة وبالتحديد إيران أن تفرض اجراءات تميزية في المضيق، بالمقابل يعرف القانون البحري الإيراني مضيق هرمز، بأنه مضيق وطني، باعتباره يقع ضمن الحدود البحرية أو ضمن المياه الإقليمية الإيرانية، كما أن إيران موقعة توقيعاً مشروطًا على اتفاقية أعالي البحار دون التصديق عليها. وهذا من شأنه أن يصطدم مع المساعي الأوروبية – الأمريكية لتشكيل تحالف دولي لحماية أمن الملاحة في المضيق.

• الاشكالية الإيرانية – الأوروبية، طبيعة هذه الاشكالية يظهر فيها الاتفاق النووي الإيراني مع الاتحاد الأوروبي كمحاولة لتعقيد تشكيل التحالف؛ لأن إيران ستلوح بنسف الاتفاق في حال وقفت الدول الأوروبية بجانب الولايات المتحدة في تشكيل التحالف الدولي في تأمين الملاحة الدولية في مضيق هرمز أو في حال اصرارها على تشكيل التحالف بعيدة عن الدور الإيراني. وهذا ربما يؤدي إلى تغير مسارات المواجهة الحالية في المنطقة، من مواجهة إيرانية – أمريكية إلى مواجهة إيرانية – أوروبية، إذا ما اصرت إيران على اسلوبها الاستفزازي للملاحة في مضيق هرمز. وهذا بدوره سيؤدي إلى تعقيد الأزمة السياسية في المنطقة.

على الرغم من ذلك، تبقى فرضية تشكيل التحالف الدولي رهن المفاوضات الدولية في قراءتها لطبيعة التهديد الذي تشكله إيران على الملاحة الدولة في مضيق هرمز، وعلى طبيعة سلوكيات الإدارة الأمريكية وتعاملها مع ناقلات النفط الدولية التي تمر عبر المضيق، إلا أن تحول هذه الفرضية إلى واقعة عملية تبدو صعبة في ظل التعقيد السياسي الحالي والتصعيد الأمريكي – الإيراني في المنطقة، لاسيما مع المخاوف التي تبديها الدول الأوروبية من نسف طهران للاتفاق النووي، الذي ما يزال منعقداً استجابة للمواقف الأوروبية مع إيران.

وعليه ربما تعتمد الدول الأوروبية على طرق أقل استفزازية للطرف الإيراني، بمقابل التزام إيران بمبادئ حرية الملاحة الدولة في مضيق هرمز. والمؤكد من ذلك، بأن المجتمع الدولي سيضع حداً للتهديدات الإيرانية على الملاحة الدولة في مضيق هرمز في المستقبل البعيد، حتى وان فشلت محادثات تشكيل تحالف دولي لتأمين الملاحة البحرية في مضيق هرمز.

اضف تعليق