الديمقراطية تقوم على ثنائية الحكم والمعارضة، حيث يتولى الحكمَ الحزبُ او الائتلاف الذي يحوز اغلبية المقاعد البرلمانية، ويجلس في مقاعد المعارضة نواب الحزب او الاحزاب التي حازت فقط عددا اقل من المقاعد البرلمانية. ويمكنها ان تشكل \"حكومة الظل\" التي تراقب الحكومة الفعلية وتحاسبها وقد تتفق معها...
نشر الصديق حسين العادلي مقالا في صحيفة "الصباح" عنوانه: "لا معارضة سياسية بالنظام التوافقي".
وهو عنوان صارم يحمل فكرة دقيقة وصحيحة. فالمعارضة السياسية ليست من منتجات الديمقراطية التوافقية، انما من منتجات الديمقراطية، بمعناها العام، الاصلي، قبل ان تطالها يد التحريف والانحراف على يد الديمقراطية التوافقية.
كيف؟
نعود الى الهندسة السياسية او علم بناء الدول حيث نعلم هناك ان الديمقراطية تقوم على ثنائية الحكم والمعارضة، حيث يتولى الحكمَ الحزبُ او الائتلاف الذي يحوز اغلبية المقاعد البرلمانية، ويجلس في مقاعد المعارضة نواب الحزب او الاحزاب التي حازت فقط عددا اقل من المقاعد البرلمانية. ويمكنها ان تشكل "حكومة الظل" التي تراقب الحكومة الفعلية وتحاسبها وقد تتفق معها او تخالفها حسب السياسات المتبعة او المواقف المتخذة وليس حسب التوزيع المحاصصاتي للمناصب والدرجات الخاصة حسب ما تسميه "الديمقراطية" العراقية المشوهة بالاستحقاق الانتخابي!
في أثناء المعركة الانتخابية التي جرت في العام الماضي، رفعت بعض القوائم الانتخابية شعار "حكومة الاغلبية السياسية"، ومؤخرا تظاهرت بعض الكتل البرلمانية بالذهاب الى المعارضة. وفي الحالتين لم تنطلق هذه الدعوات من فهم سليم لطبيعة النظام السياسي وموقع الديمقراطية فيه، الامر الذي يجعلنا نشكك علميا في صدق هذه الدعاوى او سلامتها العلمية. لم تترافق هذه الدعوات مع دعوة مماثلة الى مغادرة النظام التوافقي والعودة الى الديمقراطية السليمة.
"للإنصاف، يقول العادلي، فإنَّ الدستور العراقي 2005م ديمقراطي الجوهر، ولا يقر نظام المكوّنات، بل يعتمد مبدأ الأغلبية السياسية البرلمانية بتشكيل الحكم (الكتلة الأكبر)، إلاّ أنَّ (التوافقات) الحزبية انحازت إلى التوافق العرقي الطائفي المحاصصي الذي أصبح عرفاً دستورياً!! وهنا المعضلة، فقد أسس هذا النظام لاشراك الجميع بالسلطة بدعوى (التوازن والشراكة)".
وهذا صحيح، فقد ارتكبت احزاب السلطة منذ عام ٢٠٠٣ خطأ عميقا انتج احد عيوب التأسيس وهذا الخطأ هو الخلط العشوائي بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التوافقية، الامر الذي انتج على مدى السنوات الماضية حكومات "مشاركة الكل بموجب المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية على اساس الاستحقاق الانتخابي". وهي حكومات معوقة، عليلة، تشكل احد عناصر البيئة السياسية المنتجة للفساد المالي والاداري والسياسي. وكانت النتيجةُ النهائيةُ نظاما سياسيا هجينا، اي ليس ديمقراطيا.
وحين دعت بعض القوائم الانتخابية الى حكومة الاغلبية السياسية قلنا لهم ان هذا يستلزم مغادرة التوافقية والانتقال الى الديمقراطية التمثيلية، لم يأخذوا بكلامنا، واليوم نقول الامر ذاته لمن اعلن عن انتقاله الى المعارضة بان هذا يتطلب المناداة بنبذ التوافقية والمحاصصة والاستحقاق الانتخابي واعتماد الديمقراطية السليمة والصحيحة، وسيكون اقدامهم على هذه الخطوة دليلا على صدق دعاواهم، والصدق يعني ان المعارضة هنا منطلقة من فهم علمي لطبيعة الانظمة السياسية من جهة، ومن كونها معارضة سياسية على اساس السياسات والمواقف، من جهة ثانية، وليست ورقة ضغط لتعديل التوزيع المحاصصاتي والتوافقي للمناصب والدرجات الخاصة.
ان الامر بمنتهى البساطة والسهولة والوضوح علميا. وهو يتم وفق المعادلات السياسية التالية:
المعادلة الاولى: النظام التوافقي يعني حكومة مشاركة الكل ولا توجد معارضة سياسية.
المعادلة الثانية: النظام الديمقراطي يعني حكومة الاغلبية البرلمانية التي تقابلها معارضة الاقلية البرلمانية. وهنا لا توجد محاصصة ولا استحقاق انتخابي بالطريقة العراقية المشوهة.
الامر يتطلب ان تعلن دعوات المعارضة بوضوح تخليها عن المعادلة الاولى والتزامها بالمعادلة الثانية، وانها تعمل قبل كل شيء على تغيير النظام السياسي الهجين الحالي اسير المعادلة الاولى، باتجاه المعادلة الثانية. هذا اذا كانت معارضتها سياسية وديمقراطية في الجوهر، وليست مناورة من اجل المناصب والدرجات الخاصة!.
اضف تعليق