الحرب لم تنته بصمت البنادق، ففي الكراهية نيران أشد ايلاما من الرصاص، وليس من درب أسهل للانتقام من حرق الحقول، أين نواطيرها؟، كان الآباء يتوسدون البيادر ويلتحفون العراء، ويا ويل لمن يقترب، واليوم نتفرج على حرائقها ولا نملك سوى الثرثرة في الفضائيات والقاء اللوم على الحكومة والمطالبة بالتعويض...

يعرفون تمام المعرفة ان العراق بمقدوره النهوض في بضع سنين لو توفرت له ظروف مؤاتية، ويدركون انه يتقدم الصفوف، ويصبح صوته الأعلى بمجرد أن يسترجع عافيته، وموقنون ان العراقيين هم صناع الحضارة، ومنهم انطلقت أنوار المعرفة، ولذا لابد ان يظل هذا الوطن عليلا، هكذا تقتضي مصالح من عبروا البحار لأجل عيون (الربيبة) كما يسميها السياسيون القدماء، فتكالبت عليه النوائب مذ شعروا انه بدأ يستعيد دوره المنتظر.

وان أصابعه بدأت تلامس سلالم التقدم، فابتلوه أولا بمن لا يستطيع قيادة مهرته الجموح، فاشعل من الحرائق ما أثلج الصدور، وكان يظن ان نيران الحروب تفتح أبواب التاريخ، وتصنع للرماد مجدا، فاذا بنا في مؤخرة الركب نقف مذهولين لا نعرف ما نفعل.

وانتهت صفحة فيها من السواد بقدر ما فيها من البياض، وتطلعنا لغد جديد أردناه مشرقا، تترنح خطواته على قيثارة السومريين، ويتغنى أبناؤه بالذي رأى كل شيء، وترنو عيونهم الى مشاعل الحرية، ولكن لم يقدر لهذا الحلم التحقق، واذا بسكنة الكهوف يطلون من حيث لا ندري، ليخيرونا بين الموت حرقا او عطشا أو غرقا.

وفي لحظة تجل كبرى انبرى العراقيون لمقارعة الظلام بديدانه وحشراته، واضعين من أسموا أنفسهم بـ (القادة) خلف الظهر، وامتشقوا السيوف صفا واحدا وكأنهم لم يخوضوا حربا من قبل، عابرين الطوائف والأديان والقوميات والعشائر، وليس سوى العراق في حدقات العيون، وأعطوا بذلك درسا بليغا في الوحدة للذين أضاعوا من عمر العراق أكثر من عقد ونصف العقد. ومن يقارع الظلام لا تخيفه حرائق الحنطة، ولا يتحسب أن يجوع يوما.

لكن ما يقهره ان الفاسدين يعبثون، بينما الرعاة عاجزون، فالذين تسعدهم حرائق الحقول كثيرون، منهم اولئك الذين لا يريدون لرغيف (بلادي) ان يكون بديلا لرغيف الجوار، فقد تآمروا من قبل على (خاثر) أبو غريب على بساطة انتاجه، فكيف يكون الحال مع الطحين، تقصّوا عن الروايات ان كنتم لا تصدقون، هم أنفسهم الذين لا يشترون محولات ديالى الكهربائية بينما يستوردون الرديء، بيدهم القرار، ولا أحد بمقدوره تسميتهم، قد يطالبونك بالدليل، وكل الأدلة في خزائن مؤصدة.

ومنهم من لازال في قلبه حنين للكهوف، ففيها صار أميرا بينما كان منبوذا، وبعد ان كان متسلطا صار مطاردا، مثل هؤلاء لن تتطهر عقولهم أبدا، ففيها من غريب الأفكار ما يتعذر معها اعادتهم للمسار، ونحن مسؤولون عن ذلك، فقد شغلتنا لعبة السياسة عنهم، فاحتضنهم الأشعث ناثرا في أدمغتهم بذار التطرف، وقلنا مرارا ان تحرير العقول بقدر أهمية تحرير الأرض، فحررنا الأرض، وأهملنا العقول، وننتظر من بيده الأمر أن يرسم برنامجا بذات المستوى لتأهيل الأطفال والشباب من سرطان التطرف.

الحرب لم تنته بصمت البنادق، ففي الكراهية نيران أشد ايلاما من الرصاص، وليس من درب أسهل للانتقام من حرق الحقول، أين نواطيرها؟، كان الآباء يتوسدون البيادر ويلتحفون العراء، ويا ويل لمن يقترب، واليوم نتفرج على حرائقها ولا نملك سوى الثرثرة في الفضائيات والقاء اللوم على الحكومة والمطالبة بالتعويض، وهل يستحق تعويضا من لا ينطر بيادره؟

صدقوني ان القوة ليست حلا، ولن يتماسك الجسد بلا محبة، أعرف ان دربها طويل، لكن لا طريق للوحدة بدونها. وبين الذين أغاظهم (خاثر) ابو غريب، والمتحسرين على الامارة، والذين تقدح عيونهم بشرر الكراهية يقف الذين يديرون السياسة بافتعال الأزمات، فهؤلاء لا يريدون للبلاد استقرارا ولا للأمن استتبابا، ولا للناس راحة، ولن يهدأ لهم بال، الا بحصولهم على المناصب، فلا جاه لهم بين الناس الا بها، ولذلك يستقتلون لأجلها، وان كان ثمنها رغيف الخبز، دعوا الشمس وحالها يا اخوان، فهي بريئة من جرائمنا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق