حبس العالم انفاسه آنذاك بعد ان عاش لحظات رهيبة مرتقبا اندلاع حرب عالمية ثالثة تكون هذه المرة نووية مدمرة وبُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة. وذات الاجواء تتكرر اليوم في منطقة الشرق الاوسط على خلفية التصعيد الذي بدأ يأخذ مديات خطيرة بين الولايات المتحدة...
في أوج الحرب الباردة التي اشتعلت بين المعسكرين الغربي والشرقي وفي مطلع ستينيات القرن الماضي حدثت ازمة الصواريخ النووية بينهما على خلفية الغزو الامريكي الفاشل لجزيرة الخنازير في كوبا (1961)، وقد حبس العالم انفاسه آنذاك بعد ان عاش لحظات رهيبة مرتقبا اندلاع حرب عالمية ثالثة تكون هذه المرة نووية مدمرة وبُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة.
وذات الاجواء تتكرر اليوم في منطقة الشرق الاوسط على خلفية التصعيد الذي بدأ يأخذ مديات خطيرة بين الولايات المتحدة وايران وصل الى درجة عرض العضلات واشعال حرب اعلامية ونفسية حامية الوطيس بينهما، وعدم انتهاج الطرائق البراغماتية والدبلوماسية لنزع فتيل الازمة حرصا على سلامة المنطقة التي تعد قلب العالم ومركز السوق النفطية فيه، فالعداء طويل بين البلدين ويمتد الى مطلع ثمانينيات القرن الماضي منذ انتصار الثورة الايرانية وتأسيس الجمهورية وما تبعها من حادثة حصار السفارة الامريكية في طهران، وما لحقه من قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما ولحد الان وتخلل ذلك احتقان متبادل بين البلدين خاصة بعد رفع شعار (الموت لأمريكا) الذي اعتبرته واشنطن عداءً مستمرا لها.
ولم يتنفس العالم الصعداء الاّ حينما اقتنعت طهران بجدوى عقد اتفاقية الاطار النووي (5 + 1) مع الغرب الامر الذي عدّ انفراجا في العلاقات المتأزمة بين البلدين وكان الاتفاق النووي يهدف إلى الحد من طموح إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، ولكن التوتر بين واشنطن وطهران ازداد حدة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق واتخاذ واشنطن مسارا اخر بعيدا عن رغبة شركائها منذ دخول الرئيس ترامب الى البيت الابيض.
واليوم مازال العالم يحبس انفاسه ويترقب حدوث حرب دامية بينهما معيدة الى الذاكرة ازمة خليج الخنازير الى الذاكرة وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان مازالت واشنطن تنتهج نفس الاسلوب في التعاطي مع الملفات الساخنة خاصة اذا كان الطرف الاخر من الازمة لايتمتع بروح براغماتية ومرونة كافية تساعد على التنازل ولو مؤقتا لكي تمر العاصفة الهوجاء التي قد تطيح بكل شيء.
وللاسف فالمتشددون على كلا الجانبين الأمريكي والإيراني هم اصحاب القرار مايزيد من خطورة الوضع، وقد يعاد مرة اخرى سيناريو ازمة خليج الخنازير حيث كانت الصواريخ النووية معدة للانطلاق المتبادل بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، الا ان الحوار السري المثمر والقنوات الدبلوماسية المشتركة بينهما والاحتكام الى لغة العقل نزع فتيل الازمة وجنّب العالم اهوال حرب نووية هائلة.
أمّا الازمة الحالية قد استفحلت منذ ان حشر الرئيس ترامب الملف النووي الايراني في برنامجه الانتخابي وتعّهد امام الناخب الامريكي بمراجعة اتفاقية (5+ 1) او تعديلها مجيّشا الرأي العام الامريكي ضدها والتي انسحب منها من جانب واحد رغم اعتراض شركائه الغربيين، وتطور الامر الى وضع منظومة عقوبات ضد ايران ومن يتعاون معها، اذ يسعى ترامب إلى حرمانها من تصدير النفط بشكل تام، فقد أوشكت الصادرات النفطية الإيرانية على الوصول إلى الصفر، على ضوء انصياع حتى الدول التي تعتمد على النفط الإيراني كالصين والهند للعقوبات الأمريكية".
ووصل الامر الى استعراض القوة العسكرية بعد ان لوّحت ايران بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي كخطوة استباقية لعرض عضلاتها امام الجميع بانها قادرة على مقاومة التهديدات الاميركية التي وصلت الى نشر سرب قاذفات استراتيجية في الشرق الأوسط كقاذفات B-52 H التابعة للسرب الـ22 لسلاح الجو الأميركي، وارسال ترساناتها الحربية وطائرتها القاذفة الى الشرق الاوسط استعدادا لأي موقف من ايران لتعلن ساعة الصفر للحرب، ومع تلميحها على امكانية ارسال حاملة الطائرات «لينكولن» إلى هرمز في مسعى لتخويف ايران كدلالة على الاستنفار الامريكي العالي، والتنويه على دقّ طبول الحرب التي صار ضجيجها يصمّ الاذان والاصم هو الذي لايسمع ذلك الضجيج على رأي هنري كسينجر بالرغم من تلويحات ترامب من أنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين في إي مكان وفي أي وقت ومن غير شروط مسبقة.
قد تكشف لنا الايام عن اسرار وخفايا لهذه الازمة هي ابعد بكثير من قضية الملف النووي الايراني واقرب الى المصالح الجيوستراتيجية الامريكية في هذه المنطقة كما كشفت عن ازمة خليج الخنازير التي اصبحت ذكرى مرعبة.
اضف تعليق