ما زال الاصلاحيون يعملون بجد للانتهاء من وضع اللمسات النهائية حول ملف المفاوضات النووي الشائك للتوصل الى اتفاق نهائي مع الطرف الاخر (الدول الكبرى الست)، والتي ستعطي افضل ثمارها للاقتصاد الايراني المحاصر بشبكة واسعة ومعقدة من العقوبات الامريكية والاوربية المفروضة منذ سنوات، ويبدو ان الجميع متفائل في امكانية حدوث انفراجه قريبة ونهائية قد تفضي الى توقيع "الاتفاق التاريخي" الذي تبحث عنه الولايات المتحدة الامريكية وايران على حد سواء، سيما وان عقبة التوصل الى اتفاق "اطار عمل" تم عبورها بنجاح، ويمكن ملاحظة البوادر الايجابية على المستوى الدولي من خلال توالي الزيارات الغربية الى ايران (وفود امريكية وسويسرية زارت الجمهورية الايرانية بعد توقيع الاتفاق المرحلي مباشرة)، والتي اخذت طابع تعزيز "الاستثمارات الاقتصادية" و"العلاقات الدبلوماسية" مع دولة تملك الكثير من المقومات الاقتصادية التي يسيل لها لعاب المستثمرين الغربيين.
اضافة الى بروز دورها الاقليمي الذي رشحها كشريك محتمل للمساهمة في حل بعض القضايا الشرق اوسطية العالقة، وهو دور حاولت الولايات المتحدة الامريكية ابعاد ايران عنه في السابق، الا انها، على ما يبدو، تراجعت عنه بعد الحديث عن امكانية دعوة ايران لمؤتمر دولي يناقش الازمة السورية (ايران لم تكن ضمن المدعوين في مؤتمر جنيف2 السابق)، وفي نفس الوقت التقى وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" بوزير الخارجية الايراني، في بيت المندوب الايراني الدائم لدى الامم المتحدة في نيويورك، وتحدثا لأكثر من ساعة، وكان "كيري" قبل اللقاء قد اكد انه سيبحث موضوع اليمن مع الايرانيين.
وعلى نفس الخط الذي يعمل فيه الاصلاحيون على المستوى الخارجي، ويحاولون تجاوز العقبات التي قد تعترض طريقهم في الوصول الى حصد ثمار نجاحاتهم التفاوضية مع الغرب، يحاول التيار الاصلاحي العمل على كسب نجاحات اضافية داخل ايران في مواجهة النفوذ القوي الذي يتمتع به التيار المحافظ، وبالأخص على المستوى الاقتصادي، فالقضية بالنسبة للطرفين لا تتعلق بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران فحسب، بل كيفية التكيف مع الوضع الجديد الذي سيضر بمصالح الكثيرين داخل ايران وبالأخص القوى الاقتصادية النافذة والمحسوبة على المحافظين بعد ان كيفت مصالحها الاقتصادية مع نظام العقوبات المفروض على ايران، ومارست تجارة ضخمة خلف الكواليس وبعيدا عن الواجهة الحكومية شملت العديد من عمليات التهريب وتبيض رؤوس الاموال، اضافة الى عمليات التهريب الضخمة للنفط والمشتقات النفطية والتي درت عوائد مالية قدرت بمليارات الدولارات، حتى ان الولايات المتحدة الامريكية عبرت عن هذه المخاوف على لسان وزير خارجيتها الذي حذر المعترضين على التوصل الى الاتفاق المرحلي او النهائي، يمكن ان يطيح بنظام العقوبات الاقتصادية، مضيفا أن "فشل نظام العقوبات سيأتي نتيجة لتنصل حلفاء الولايات المتحدة من الوقوف معها حيث سيرى هؤلاء أن مواقفنا أصبحت غير منطقية فستتخذ كل دولة قرارها فيما يخص بإبقاء أو رفع الحظر عن ايران"، خصوصا وان اغلب الاموال المتحصلة من هكذا عمليات لا يمكن حصرها ضمن الاطار القانوني والمؤسساتي للدولة، وهو ما يخشاه الرئيس الايراني "حسن روحاني".
الرئيس الاصلاحي "روحاني" يبدو انه بدأ بالاستعداد للمعركة القادمة مع من اسماهم "المستفيدين" من نظام العقوبات الاقتصادية، من دون ان يسمي شخصا او جهة او تيارا بعينه، بعد ان نصحهم "بتغيير عملهم"، وهو تهديد مبطن لجميع المستفيدين من العقوبات الاقتصادية، سيما المعترضين منهم على ابرام اتفاق نووي مع القوى الكبرى، معتبرين انه اتفاق مذل لإيران ولا يتناسب مع طموحات ومكانة ايران كقوى اقليمية كبرى في المنطقة، وبالأخص عندما يتم توقيع هذا الاتفاق مع العدو الاول لإيران (او التيار المحافظ)، الولايات المتحدة الامريكية، وقد حدد الرئيس الايراني في كلمته الاقتصادية عدد من الخطوط التي يجب ان يستعد لها الاقتصاد الايراني ولا يعترض طريقها "المستفيدين" وابرزها:
- تغيرات ادارية وفنية في اهم قطاع استثماري لإيران (النفط والغاز) من خلال ايجاد "تكنولوجيات جديدة مع اداريين يتحلون بالكفاءة واستثمارات الى جانب مقاولين"، وهو دور سيعزز قوة الانتاج، اضافة الى سيطرة الدولة على هذا القطاع المهم.
- قبول وجود شركاء ومستثمرين اجانب، سيما الغربيين منهم، فلا غرابة من رؤية استثمارات امريكية او فرنسية...الخ، في المستقبل الغريب، بعد ان اكد روحاني على جذب "رؤوس اموال محلية واجنبية"، وهو ما قد يثير حفيظة الكثيرين.
وكان الرئيس "روحاني" قد اشار في اكثر من مناسبة الى ضرورة الانفتاح الاقتصادي على الغرب، وهو ما اغضب المحسوبين على التيار المحافظ الذي يتخذ من قضية العداء للولايات المتحدة الامريكية والغرب اساسا لانطلاق اغلب مواقفة، وعلى هذا الاساس، فان التفكير الاقتصادي للطرفين (الاصلاحي والمحافظ) يبدو على طرفي نقيض، ففي الوقت الذي يبحث فيه المحافظون عن "اقتصاد المقاومة" يحاول روحاني "الانفتاح على الغرب" على الاقل اقتصاديا، وهي مهمة لن تكون سهلة وفي متناول اليد بالنسبة للإصلاحيين الذين يعولون كثيرا على توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات بصورة فورية لإعادة صياغة الاقتصاد الايراني المنهك وفق منظور جديد، الا انها لن تمر من دون صراع قوي على اعادة ترتيب النفوذ الاقتصادي داخل ايران.
اضف تعليق