هناك من يعوّل على فرضية التفاوض بين الطرفين من خلال المفاوضات الثنائية بوساطة عربية أو أوروبية. هذا السيناريو متوقع جداً، لاسيما في ظل الصراع الجاري داخل الإدارة الأمريكية بين الرئيس الأمريكي وفريقه حول جدية الحرب من عدمها، وتصريحات ترامب الأخيرة، بعدم رغبته في الدخول بحرب...
مع استمرار حالة التصعيد السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في منطقة الشرق الأوسط، والمخاوف التي تلازمها من فرضية نشوب الحرب بين الطرفين؛ الأمر الذي يؤدي إلى إشعال المنطقة بالكامل، لاسيما مع حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة في العقود الأخيرة، هناك من يعوّل على فرضية التفاوض بين الطرفين من خلال المفاوضات الثنائية بوساطة عربية أو أوروبية.
هذا السيناريو متوقع جداً، لاسيما في ظل الصراع الجاري داخل الإدارة الأمريكية بين الرئيس الأمريكي وفريقه حول جدية الحرب من عدمها، وتصريحات ترامب الأخيرة، بعدم رغبته في الدخول بحرب ضد إيران في المنطقة، وأنه بانتظار اتصال من الإدارة الإيرانية للجلوس حول طاولة المفاوضات؛ من أجل إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني ومشروع طهران الصاروخي ودورها الإقليمي.
طهران ربما تكون مرغمة في الجلوس على طاولة المفاوضات مع الأمريكيين؛ وذلك تفادياً لوضعها الداخلي واقتصادها المتهاوي جراء العقوبات الأمريكية، فالاقتصاد الإيراني يعيش أسوء حالاته منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وهناك تقارير جمة حول انتشار البطالة والانخفاض الشديد للقوة الشرائية، وارتفاع سعر العملات الأجنبية بأضعاف مضاعفة خلال عام واحد، ومؤشرات خط الفقر تشير إلى وجود حوالي 40 مليون تحت هذا الخط؛ لذا ربما يكون منطق التفاوض قائماً على منطق التحليل العقلاني وبعيداً عن التهور السياسي لكلا الطرفين، لاسيما بالنسبة لطهران. هذا السيناريو إذا ما حدث بالفعل، هل له أن يسهم في إعادة الاستقرار إلى المنطقة؟.
بالتأكيد، إن سيناريو التفاوض والحوار بين واشنطن وطهران، سيكون له فوائد سياسية ومكاسب اقتصادية كبيرة للطرفين، ويجّنب المنطقة اتون حرب مدمرة، ربما لا تقل كوارثها السياسية والاقتصادي والاجتماعية عن الكوارث التي لحقت بألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الملفات التي من الممكن أن تكون محور التفاوض بين الجانبين، تتوزع على ثلاث ملفات (الملف النووي، الملف الصاروخي ودور طهران في المنطقة)، هذه الملفات ربما تتقاسمها المفاوضات الأمريكية – الإيرانية بحلول وسطية أو أكثر تطرفاً للولايات المتحدة الأمريكية، لكنها ستكون ناجحة للطرف الإيراني في هذه المرحلة (مرحلة الرئيس ترامب) على أقل تقدير، وسيجنبها الكثير من الخسائر.
هناك من يعتقد بأن سيناريو التفاوض، إذا ما حدث بالفعل، لا يمكنه أن يساعد كثيراً في تثبيت عملية الاستقرار في المنطقة، نعم ربما يسهم في تخفيض حدة التوتر والصراع الأمريكي – الإيراني في بعض الدول العربية والمنطقة بشكل عام، إلا أنه لا يمكن أن يكون العامل الأساس في استقرار المنطقة؛ لأن التفاوض ربما يحقق المصلحة الأمريكية في المنطقة بمساحة معينة وأطر محددة من خلال الملفات الثلاثة أعلاه، أو يسهم في حل الخلاف الأمريكي – الإيراني لفترة محدود طبقاً لرغبات الرئيس الأمريكي الحالي، لاسيما وأن ترامب يبحث عن انتصار سياسي على طهران يؤهله إلى الولاية الثانية في البيت الأبيض، فضلاً عن ذلك، فأن نتيجة التفاوض حتماً ستكون موائمة ومتوافقة لمصالح الطرفين بعيداً عن مصالح الشعوب الأخرى في المنطقة.
بالتالي، فإن فرضية التفاوض، ستجهل كثير من الأمور التي تعد من الأسباب الرئيسة لظاهرة عدم الاستقرار في المنطقة، أي بمعنى أخر، أن التفاوض سيهمل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي يعد من المشاكل المعقدة في المنطقة والمغذي الحقيقي لمظاهر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كذلك سيهمل التفاوض بين (واشنطن وطهران) إيجاد حل للعداء الإيراني – الإسرائيلي والعداء العربي – الفارسي، والصراع الطائفي في المنطقة بين السعودية وبعض الدول الخليجية وبين إيران، فضلاً عن ذلك، فإن سيناريو التفاوض لا يمكنه أن يعالج مشكلة الفصائل الشيعية المسلحة التي ترتبط بإيران (سياسياً وإيديولوجياً) سواء كان في العراق أو لبنان أو في سوريا واليمن.
إن تثبيت عملية الاستقرار في المنطقة لا تتوقف على الإدارة الأمريكية والإيرانية والملفات الشائكة بينهما، وإنما تتوقف على عوامل عدة، يأتي في مقدمتها الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والصراع العربي – الفارسي، واحترام السيادة الداخلية والحدود القومية للدول بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية ودعم التفكك المجتمعي، واحترام إرادة الشعوب في اختيار انظمتها السياسية وطريقة إدارة الحكم فيها. وإن أي تفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لا يمكن أن يحل القضايا الشائكة في المنطقة، كتلك الملفات التي أشرنا لها في اعلاه، أو أن يقضي على ظاهرة الإرهاب والتطرف في المنطقة.
لهذا، فإن عملية استقرار المنطقة ستبقى رهينة مجموعة عوامل (داخلية وخارجية)، اغلبها تتعلق بحق الشعوب في اختيار نظامها السياسي وطريقة إدارة الحكم فيها، بعيداً عن فرض الإرادات الخارجية. فعملية السلام في المنطقة بحاجة إلى عملية إصلاح شاملة؛ لأن جميع ملفاتها شائكة ومرتبطة بعضها بالبعض الآخر.
اضف تعليق