بعد أسابيع ثلاثة من الآن، سيلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد بقادة دول مجلس التعاون الخليجي الست... رسائل ثلاث سيحرص سيد البيت الأبيض على توجيهها لحلفائه من "معسكر الاعتدال العربي"...
أولها أن الولايات المتحدة ضامنة لأمن دولهم واستقرارها طالما جاءها التهديد من الخارج، وان المظلة الأمريكية العسكرية ستغطي بظلالها "الوارفة" حلفاء واشنطن وأصدقائها...
ثانيهما: أن اتفاق واشنطن مع طهران، لن يكون على حساب الصداقة التاريخية بين الأولى والعواصم الست، على أنه مطلوب من الأخيرة، أن تتعامل مع حقيقة أن طهران لاعب مهم في المنطقة، وأن واشنطن ماضية في اتفاقها النووي معها، وأبعد من ذلك أنها بصدد فتح نافذة لتعاون معها لحل الأزمات الإقليمية...
ثالث الرسائل: أن الأخطار والتهديدات الداخلية التي تجابه الدول الست، أشد تفاقماً وتأثيراً على مستقبل الأمن والاستقرار من الأخطار والتهديدات الخارجية، بما فيها ما يتردد عن "خطر إيراني زاحف".
كافة هذه الرسائل، تم نقلها والتعبير بوسائط الإعلام المختلفة... أوباما لم يترك مناسبة إلا وكشف فيها عن بعض جوانب تفكيره في الاستراتيجية الأمريكية حيال الشرق الأوسط... بيد أن اللقاء المباشر مع زعماء الدول الست، سيكون مناسبة للبوح والتصريح بالمخاوف ومنابع القلق والرهانات والتطلعات، بعد أن ظل الحديث عن هذه العناوين في إطار التلميح والإشارات المتروكة لفهم "أولي الألباب".
مثل هذه المواقف لن تكون مريحة أبداً لعدد من قادة دول المجلس، الذين ينتظرون بفارغ الصبر رحيل أوباما والديمقراطيين ومجيئ الحزب الجمهوري وحتى المحافظين الجدد... تاريخياً علاقات دول المجلس مع الجمهوريين أكثر ارتياحاً من علاقاتهم بالديمقراطيين... لكن على هذه الدول أن تتعامل مع الدولة الأعظم بصرف النظر عمّن يجلس في المكتب البيضاوي أو الكابيتول.
سيستمع القادة الست باهتمام إلى شروحات الرئيس ومساعديه عن الضمانات والكفالات الأمريكية لأمن الخليج واستقراره... لكن إشارة الرئيس لدور إيراني شريك في معالجة أزمات سيكون أمراً مزعجاً، فهذه هي المرة الأولى التي ستنتقل فيها العلاقات الأمريكية من "الصراع المكشوف والمفتوح" إلى آفاق التعاون، وربما الشراكة في معالجة أزمات المنطقة وتحدياتها، وفي مقدمتها الحرب على الإرهاب والأزمات المفتوحة في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وربما فلسطين.
هذا ليس مريحاً لدول اعتادت التمتع بـ "الوكالة الحصرية" لمشاريع التعاون والتحالف الأمريكية... هذه المرة سيدخل شريك جديد على هذا الخط، وليس أي شريك، إنه إيران، خصم معظم هذه الدول ومصدر قلقها وتحسبها الأول إن لم نقل والأخير... واشنطن عازمة على إدخال بعض التوازن في علاقاتها مع دول المنطقة، بما يشمل إيران، وهذا أمر غير مرغوب فيه من قبل بعض قادة الدول الست.
سيبلغ التوتر ذروته في لقاء كامب ديفيد المقبل، إن أصر الرئيس أوباما على تكرار ما سبق له قوله عن "التهديدات الداخلية" لهذه الدول ووصفها بأنها أشد خطورة من التهديد الإيراني... ونقول "إن أصرّ الرئيس"، لأن هناك في واشنطن من انتقد تصريحات الرئيس العلنية بهذا الشأن، وهؤلاء سينصحون أو سيضغطون لمنع فتح هذا الملف مع القادة الست، مع أن الرئيس أوباما كما اتضح، شديد الحماسة لفكرته وقراءته للتهديدات والتحديات التي تجابه أمن الخليج.
الرئيس الأمريكي سيكون واضحاً في حديث عن رفض الانجرار لمزيد من الحروب أو التورط المباشر في مزيد من الصراعات في هذه المنطقة، وسيتحدث عن مخاطر استمرار "حروب الوكالة" وأثرها في تسميم مناخات الإقليم وتهديد السلم والاستقرار الدوليين... هنا الرسالة قد تأتي على شكل تساؤل عمّا إذا كان الوقت قد حان للانتقال بالعلاقات الإيرانية – الخليجية، من مرحلة الحرب الباردة إلى شكل من أشكال الحوار وتنظيم الخلاف والتعاون لحل النزاعات.
سيكتشف الرئيس أنه لا يقرأ من صفحة واحدة مع بعض ضيوفه... فالإرهاب الذي تعتبره واشنطن التحدي الأول لأمن العالم والمنطقة والخليج، لا يحظى بنفس الأهمية والاهتمام عند بعض ضيوفه، الذين ينصرفون إلى الاهتمام بأولوية أخرى تتمثل في مواجهة التمدد الإيراني... بل أن بعض ضيوفه كان وما يزال متورطاً في دعم حركات وجماعات في سوريا والعراق واليمن ولبنان، مصنفة أمريكياً في عداد المنظمات الإرهابية... وهم يفضلون التعامل مع "النصرة" وأحرار الشام" و"قاعدة الجهاد" على التعامل مع النظام في دمشق أو الحوثي في اليمن أو حتى حكومة العبادي في بغداد... هنا سيتعين على الرئيس أن يبذل جهوداً مضاعفة لتقريب المواقف وتوفيق وجهات النظر.
لن يكون لقاءً سهلاً بكل تأكيد، وهو سيشكل نقطة تحوّل بين مرحلتين في السياسة الأمريكية حيال المنطقة، وفي خريطة التحالفات وأوزانها، وفي منظومة العلاقات الإقليمية والدولية... وإذا ما استُتبع لقاء أيار/ مايو، باتفاق حزيران/ يونيو مع طهران الشامل والنهائي، ستكون المنطقة على موعد من حقبة جديدة في تاريخها.
اضف تعليق