بالرغم من حجم الكوارث وفداحة الخسائر البشرية والمادية في العالم، بسبب ما تجني يد الانسان من التلاعب بالطبيعة الخلابة والمعطاءة، والبيئة النظيفة، ما نزال نشهد الفيضانات والاعاصير واختفاء مساحات من المحيط المنجمد بسبب الاحتباس الحراري، والذي تسببه الغازات المنبعثة من المصانع ومزارع الدفيئة المنتشرة في العالم...
بالرغم من حجم الكوارث وفداحة الخسائر البشرية والمادية في العالم، بسبب ما تجني يد الانسان من التلاعب بالطبيعة الخلابة والمعطاءة، والبيئة النظيفة، ما نزال نشهد الفيضانات والاعاصير واختفاء مساحات من المحيط المنجمد بسبب الاحتباس الحراري، والذي تسببه الغازات المنبعثة من المصانع ومزارع الدفيئة المنتشرة في العالم، لاسيما العالم الغربي الباحث بكل الوسائل عن وفرة الانتاج وتحقيق الربح السريع. هذا فضلاً عن تراجع مساحة الغابات وانتشار ظاهرة التصحّر، وتعرض حيوانات برية وبحرية للانقراض، بل وحتى ظهور حالة جديدة وغريبة وهي؛ الانتحار الجماعي للحيتان على شواطئ البحار!
كل الدلائل تشير الى ان بالامكان تفادي كوارث الفيضانات اذا كان السبب زيادة كمية هطول الامطار، فهو غيث السماء ومبعث خير وبركة للبشرية، وفي بلاد تحيط بها البحار المالحة، مثل استراليا، فان ماء المطر يشكل ثروة عظيمة لا يجوز التفريط بها وعدم استثمارها. بيد أن الامر بحاجة الى تخطيط متكامل ياخذ بنظر الاعتبار الجوانب المحيطة بأي مشروع استثماري لهذه الهبة الإلهية، بما يمكن أهل الارض (البلد) من الاستفادة القصوى في مجالات الزراعة والشرب.
وما حصل في ايران مؤخراً من سيول كارثية ربما لم يشهده هذا البلد منذ عشرات السنين، يبين حجم الخلل في التخطيط العمراني الذي يولي اهتمامه للمصالح الآنية، ويهمل الطبيعة والبيئة الحاضنة للمياه، او يفضل التسرّع في دراسة المشاريع وعدم التزام النظرة الشمولية وما يمكن ان يترتب عليها من آثار في المستقبل.
وأبرز مثال على ذلك؛ ما جرى في مدينة شيراز –جنوب ايران- وتحديداً عند مدخل المدينة، وهي عبارة عن بوابة حجرية قديمة يعتليها نُصب ضخم للكتاب المجيد (القرآن)، وقد تحول هذا المعلم الأثري الى منتجع سياحي يقصده الناس للتنزّه والتمتع بالطبيعة والمساحات الخضراء المحيطة بالمكان، وقد أطلق عليه الايرانيون بـ "بوابة القرآن"، وكان الى جانب هذه البوابة رافد صغير لكنه عميق يُطلق عليه بـ "مسيل"، ربما كان في سالف الزمان عبارة عن نهر تنساب فيه المياه، بيد أن سنوات الجفاف، لاسيما في محافظة شيراز، حدى بالمعنيين بالشؤون البلدية لأن يردموا هذا الرافد ويحولوه الى شارع وساحة لوقوف السيارات بهدف الاستثمار، وعندما هطلت الامطار الغزيرة في الآونة الاخيرة تذكّرت مياه الامطار الهادرة فجأة –إن صح التعبير- ذلك الرافد علّها يكون حاضنها ليشق طريقه بشكل طبيعي بعيداً عن الناس، إلا أن المياه لم تجد سوى السيارات المركونة والنساء والاطفال الذين كانوا يقضون أيام عطلة رأس السنة في هذا المكان، وحصل ما حصل من كارثة غرق العشرات وتدمير عدد كبير من العجلات التي تحولت الى خردة في ساعات معدودة.
أما في محافظة خوزستان المحاذية للعراق، فكان الوضع أمضّ وأمرّ، حيث تعرضت مدن بكاملها وقرى الى الغرق بفعل السيول الهادرة القادمة من شمال المحافظة حيث يقبع أعظم سد ترابي أنشأته ايران في الشرق الاوسط –حسب تقييم الايرانيين- وقد أنشئ هذا السد عام 1991 على نهر الكرخه الشهير الذي يتكون من مياه أعالي جبال زاغروس، وينحدر جنوباً باتجاه مدينة بستان ثم يتجه الى صوب العراق وتحديداً الى هور الهويزة في محافظة العمارة.
وفي تلك الفترة صرّح اكثر من مسؤول ايراني أن ايران بحاجة الى مياه هذا النهر لتلبية حاجات الزراعة ومياه الشرب في المحافظة، وايضاً؛ انتاج الطاقة الكهربائية، علماً أن المصادر الايرانية تتحدث عن أن فكرة السد هذه، تعود الى خمسينات وستينات القرن الماضي، بيد ان تزامن إنشاء هذا السد مع قرار النظام البائد بتجفيف الاهوار في تلك الفترة، أثار تساؤلات عدّة، ربما أجاب عن بعضها الايرانيون بأنهم انما يحاولون استثمار مياه نهر يمر عبر اراضيهم بدلاً من ان يذهب هدراً.
والمثير في الأمر أن احد المسؤولين المحليين في حديث صحفي مع وكالة الانباء الايرانية في شهر كانون الثاني المنصرم، أي قبل حوالي شهرين من انفجار السيول، وعد بأن القدرة الاستيعابية للسد من شأنها مواجهة احتمال السيول في المنطقة، وربما تكون هذه القدرة التي يتغنّى بها المسؤلون الايرانيون هي التي منحتهم الاطمئنان من وجود هذا السد على نهر الكرخة، وحسب المصادر فان استيعاب السد يبلغ في أقصى درجة له، ثماني مليارات متر مكعب، مع ذلك فان هذا السد، وايضاً السد الآخر بالقرب منه؛ سدّ "دز"، لم يصمد امام الكميات الهائلة من الامطار الغزيرة التي بدلاً من ان تشقّ طريقها في نهر الكرخة العظيم كما هو التصميم الطبيعي منذ آلاف السنين، توجه الى الشوارع والطرق، ثم البيوت فغمرتها كلها بالمياه وحصل ما حصل من خسائر فادحة وشبه انعدام للحياة العامة بعد غرفت بيوت بأكملها ومعها مزارع ومتاجر، وتهدمت جسور و أبنية وطرق.
هذه الكوارث والمآسي أكدت حقيقة طالما أشار اليها العلماء بأن كلما زادت الفاصلة بين الانسان والطبيعة، كلما اقتربت الفاصلة بينه وبين الكوارث التي تجلب له المصائب والخسائر، وهذا در بليغ ينبغي للمسؤولين في العراق الانتباه اليه لاسيما وهم في بداية طريق الاستثمار والتنمية في مشاريع عدّة لها صلة بالتربة والمياه والانهار والبيئة بشكل عام، فأي تجاهل لهذه العناصر الرئيسية في الحياة، لن تكون النتيجة إلا تجاهل لحياة الآلاف من البشر، عندما يتعرضون للسيول او الاوبئة ومشاكل صحية مختلفة، كما نشهد ذلك في المدن التي تشهد تجريف للبساتين والحقول بحجة الجفاف وقلة المياه لتتحول الى مناطق سكنية، والنتيجة تسرّب مختلف اشكال الحشرات والحيوانات من هذه الحاضنة الطبيعية الى المدن والمناطق السكنية.
اضف تعليق