أقدم الكنيست بعد مرور 14 عاماً على احتلال الجولان إلى إصدار قرار بضمها إلى إسرائيل، خلافاً لقواعد القانون الدولي وما يسمّى بالشرعية الدولية، وتبرر إسرائيل تمسكها بهضبة الجولان بثلاث قضايا مركزية وحيوية لا تريد التخلي عنها وهي تجمعها في عناوين رئيسية هي: الأمن والمياه والأرض...
"إن من ينزل عن هضبة الجولان، يكون قد تخلّى عن أمن "إسرائيل"، ذلك ما قاله إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي اغتيل في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 بعد أن احتلت "إسرائيل" 80 بالئة من مساحة هضبة الجولان السورية في عدوان5 يونيو (حزيران) العام 1967 والتي حرّرت سوريا جزءًا منها في حرب أكتوبر (تشرين الأول)1973، (100كم) بما فيها مدينة القنيطرة.
إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "إسرائيلية الجولان" في تغريدته المثيرة يعيد إلى الأذهان مقولة رابين وإصرار السياسة "الإسرائيلية" طيلة ما يزيد على نصف قرن من الزمان على تهويد الجولان وضمها نهائياً إلى "إسرائيل". وتأتي تغريدة ترامب مستفزّة للمشاعر الإنسانية والاعتبارات الأخلاقية ومخالفة للقواعد القانونية الدولية بعد قراره في 14 مايو/ أيار 2018 نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، باعتبارها عاصمة لدولة "إسرائيل"، الأمر الذي يؤكد الخطة المنهجية المتصاعدة في تأييد الاحتلال " الإسرائيلي" والتنكّر للحقوق العادلة والمشروعة للشعب العربي الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها "القدس". وتتنكّر واشنطن بإجراءاتها تلك لما يسمّى "الشرعية الدولية"، فضلاً عن القواعد العامة للقانون الدولي المعاصر بما فيها قواعد القانون الإنساني الدولي، خصوصاً اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977 حيث كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قراراً رقم 476 بتاريخ 30 يونيو (حزيران) 1980 يعلن فيه بطلان الإجراءات التي اتخذتها " إسرائيل" لتغيير طابع القدس، ثم أعقبه بقرار رقم 478 بتاريخ 20 أغسطس (آب) من نفس العام، يقضي بعدم الاعتراف بقرار الكنيست بشأن ضم القدس. كما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقــم 497 الذي اتخذ بالإجماع في17 ديسمبر (كانون الأول) 1981 والذي يدعو دولة "إسرائيل" إلى إلغاء قرارها بضم مرتفعات الجولان، ويعتبر فرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي. ومن المفارقة أن يأتي إعلان ترامب "إسرائيلية الجولان" متزامناً مع الذكرى السادسة عشر للحرب الأمريكية على العراق واحتــــــــــــــلاله في العام 2003 واستمرار معاناة شعبه المتعاظمة والمركّبة، فضلاً عن تزايد التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونه، ناهيك عن انفتاح الباب على مصراعيه لنشاط المنظمات الإرهابية فيه وفي مقدمتها تنظيمي القاعدة ووريثها داعش. وعلى مستوى التوقيت يأتي إعلان ترامب عن " إسرائيلية " الجولان وكأنه خشبة خلاص لنتنياهو الذي تدهورت سمعته وفقد الكثير من شعبيته لاتهامه بالفساد واحتمال مثوله أمام القضاء، وذلك عشية زيارته إلى البيت الأبيض، كما يأتي هذا الإعلان قبل 20 يوماً من الانتخابات "الإسرائيلية".
لقد مارست "إسرائيل" خلال احتلالها الذي استمر نحو 52 عاماً سياسة تطهير عرقي لتغيير الواقع القومي والتركيب السكاني للجولان ورفضت الانسحاب إلى ما وراء خطوط الهدنة، مستخفّة بقرارات مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً القرار 242 لعام 1967 و القرار 338 لعام 1973 ومتجاوزة على مبدأ أمر من مبادئ القانون الدولي الذي لا يجيز الاستيلاء بالقوة على أراضي الغير. وكانت "إسرائيل" قد اعتبرت الجولان منذ اليوم الأول " منطقة عسكرية مغلقة يحظر على الناس دخولها " ثم أقامت المستوطنات عليها، آخذة بنظر الاعتبار أهميتها الاستراتيجية، ابتداء من سفوح جبل الشيخ (قرب بانياس) وبمحاذاة خط وقف إطلاق النار (في 10 يونيو/ حزيران/ 1967) حتى القنيطرة، وانتهاء بحدود الشواطئ الشرقية لبحيرة طبريا (جنوب غربي الجولان). واستهدفت بذلك إقامة "بناء دفاعي" يضمن الحفاظ على مصادر المياه ومنابع نهر الأردن وتوفير الحماية لمستوطنات وادي الحولة والجليل، وهو ما تضمــــــنه مشروع إيغال آلون الذي نشره في مجلة الشؤون الدولية (الأمريكية) على شكل مقالة في أكتوبر /تشرين الأول 1976.
ولذلك شرعت باتخاذ طائفة من الإجراءات المتدرّجة لمحو الطابع العربي للجولان، ابتداء من حل المجالس البلدية وإلغاء القوانين السورية وإبدالها بقوانين " إسرائيلية" (بعد قوانين الاحتلال) وتغيير العملة وفرض الرسوم وتغيير رخص السيارات والإجازات الخاصة وفرض منهج تعليمي " إسرائيلي" عنصري، وجميع ما يتعلق بالبريد والبرق والهاتف، وكل ما من شأنه تغيير طابع المنطقة قانونياً وإدارياً وفعلياً، لاسيّما باستبدال هويّة الأحوال المدنية الســــــــورية ببطاقات "إسرائيلية"، ثم أقدم الكنيست بعد مرور 14 عاماً على احتلال الجولان إلى إصدار قرار بضمها إلى (إسرائيل)، خلافاً لقواعد القانون الدولي وما يسمّى بالشرعية الدولية. وتبرر (إسرائيل) تمسكها بهضبة الجولان بثلاث قضايا مركزية وحيوية لا تريد التخلي عنها وهي تجمعها في عناوين رئيسية هي: الأمن والمياه والأرض، فالجولان خزّان مياه ومصدر للثروة المائية لا تريد التخلي عنه، وحسب رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، هي مصدر أساسي للأمن المائي وهذا الأخير مصدر حيوي للأمن الغذائي، وبالتالي فهي عمق استراتيجي لأمنها لا غنى عنه.
اضف تعليق