على مدى السنوات بعد 2003، توصف العلاقات العراقية-الايرانية اجمالا بأنها علاقات غير متكافئة، بين دولة تمثل فاعل اقليمي مؤثر في ملفات وازمات المنطقة وهي طرف بصراع اقليمي ودولي، واخرى دولة اقل ما توصف به انها تعاني ازمات عدة تشل كل قطاعات الحياة ومجالات السياسة ولا...
على مدى السنوات بعد 2003، توصف العلاقات العراقية-الايرانية اجمالا بأنها علاقات غير متكافئة، بين دولة تمثل فاعل اقليمي مؤثر في ملفات وازمات المنطقة وهي طرف بصراع اقليمي ودولي، واخرى دولة اقل ما توصف به انها تعاني ازمات عدة تشل كل قطاعات الحياة ومجالات السياسة ولا يمكنها نفض غبارها، ولذلك باتت ساحة للصراع والتنافس الجيوسياسي في المنطقة وهي العراق. وبالتالي ما يضمر ويخفى في التعامل مع العراق من قبل أطراف الصراع الاقليميين والدوليين أكثر وأعمق من المعلن عنه دبلوماسيا وبروتوكولياً.
من جانبهم يعلم صناع القرار والقوى السياسية في العراق هذا الصراع والتنافس وطبيعة المواقف المتعارضة بين اطرافه، الا انهم غير مدركين لطبيعة المعادلة الاقليمية والدولية الحاكمة لعلاقات المنطقة ودولها. لذلك يبقى بعض تلك القوى السياسية المؤثرة حبيسة التصور الضيق المبني على الانقياد خلف مواقف طرف معين فيما تكون قوى سياسية اخرى خلف مواقف طرف آخر.
ولذلك اصبحت كل القوى السياسية رهينة مواقف تلك الاطراف، والاخيرة تتعامل معهم على هذا الاساس، بالنتيجة باتت مصلحة البلاد آخر الاهتمامات. واصبحت الاطراف الدولية المؤثرة اقليميا وعالميا تتعامل مع قوى سياسية وصناع قرار فاقدين للمشروع الوطني وللرؤية في ظل وضع اقليمي معقد. وبفعل ذلك بات العراق كمنصة لإيصال الرسائل واذكاء التأثير والنفوذ.
وبعد اعلان رئيس مجلس الوزراء عدم قيامه بالسفر الى خارج البلاد، نظم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب زيارات الى دول عدة في المنطقة ومنها ايران وارادوا ان يوصلوا رسالة مفادها ان العراق لا يمكن ان يكون بجانب طرف ضد طرف آخر وانه على مسافة واحدة من الجميع، ويسعى لبناء علاقاته الاقليمية والدولية على اساس المصالح المتبادلة والمشتركة، وفي ظل ذلك يسعى الى ان يكون جسر للتواصل بين الاطراف المتنافسة. تلك الزيارات لا يمكن تقييم نتائجها خلال المدة القصيرة الماضية، الا ان نطاقها العام يدلل على استكمال ما بدأت به الحكومة السابقة والتي نجحت نسبيا فيه.
وفق المبادئ والبيانات المعلنة للخطوات اعلاه، نلحظ ان هناك مقاربة جديدة لعلاقات العراق الخارجية ومنها العلاقات مع الجارة ايران قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، والنأي بالبلاد عن محاور الصراع، وبناء تلك العلاقات على اساس المصالح المشركة.
ولكن نتائج الزيارة الاخيرة لرئيس الجمهورية الاسلامية حسن روحاني والوفد المرافق له الى العراق والمعلن عنها من قبل الجانب الايراني وبالتحديد من قبل وزير الخارجية جواد ظريف تدلل على عدم قدرة صانعي القرار في العراق على الصمود امام سيل اوراق القوة التي استصحبها الوفد الايراني معه. لذا لابد من استحضار مقومات بناء نطاق جديد لعلاقات العراق مع ايران قائمة على اعطاء الاولوية لمصالح العراق على الصعد السياسية والاقتصادية وملفات المياه والتهريب...الخ.
- سياسيا، لابد من الاصرار على مصالح العراق الاقليمية والدولية وابقاءه بعيدا عن عوامل التأثير والصراع ومنها ملف العقوبات الاميركية على ايران. نعم العراق كان له موقف جيد من برفضه منطق العقوبات وإلحاق الاذى بالشعوب ولكن لا يمكن اعتماد سلوك سياسي خارجي يقوم على غض النظر عن تلك العقوبات ولاسيما وان العراق في وضع حليف استراتيجي مع الولايات المتحدة الاميركية في ظل اتفاقية الاطار الاستراتيجي.
- سياسيا ايضا، بإمكان العراق ان يعلب دور البلد العامل على تحقيق التقارب الجيوسياسي بين الاطراف الاقليمية المتصارعة والمتنافسة، ولكن قبل ذلك لابد ان يثبت حيادته تجاه ازمات وملفات المنطقة وان يكون له موقف موحد صادر عن الحكومة ووزارة الخارجية حصرا وليس موقف مبعثر ومشوه تتبناه احزاب وقوى سياسية طبقا لأطرها الدينية والسياسية (الحزبية)، كما يحصل تجاه الازمة السورية والبحرينية واليمينة وملف العقوبات على ايران وغيرها.
- اقتصاديا: على صانع القرار في العراق، وضمن خططه الاقتصادية المتعلقة بالتنمية وتطوير القطاع الخاص والحد من الفقر وتحقيق اهداف التنمية المستدامة والخطط القطاعية الاخرى، ان يسعى لبلورة اطار اقتصادي لعلاقات قائم على خدمة اهداف ومراحل تلك الخطط لا ان يخطط لأهداف ومراحل ويتفق على ما يُفشل تحقيق تلك الاهداف. فما تسعى ايران له من زيادة الصادرات الى العراق لتكون عشرين مليار دولار في المستقبل المنظور يجعل النشاط الاقتصادي العراقي خاوِ المحتوى، ولن يزيد الوضع الاقتصادي الا سوءا والفئات الاجتماعية الا فقرا وعوزا.
- يحتاج ليكون شريك وليس تابع وان يُعامل كشريك يسعى لبناء الانسان والدولة على اسس من المواطنة والولاء للداخل. لذا من الاهمية بمكان ان يكون النطاق الجديد قائم على التعامل مع الدولة بمؤسساتها الدستورية وليس عبر جهات محلية اخرى. وهذا ما اخفقت ايران في تحقيقه على مدى السنوات الماضية.
- العراق كشريك لديه مختلف المصالح مع أطراف اقليمية ودولية وهذه المصالح متعددة ومتباينة، وبالتالي لا يمكن التضحية بجزء منها لصالح طرف معين سواء أكان ايران او السعودية او الولايات المتحدة او غيرهما.
- كذلك يستدعي النطاق الجديد ان يتم تضمين تلك العلاقات جميع الملفات لا ان تقتصر على ملفات الطرف الايراني. فالعراق وايران جيران ومن الطبيعي ان الملفات تتعدد طبقا للسياقات التأريخية والجغرافية. ولذلك للعراق ازمات متراكمة في ملفات موارد المياه، والسيطرة على التهريب، والحدود المائية، واسرى الحرب العراقية – الايرانية، وملف الطائرات العراقية التي اودعت لدى ايران بعد غزو الكويت وغيرها.
بالنتيجة هذا النطاق الجديد فيه محددات مرتبطة بالداخل العراقي أكثر من خارجه على الرغم من فاعلية المحددات الخارجية في المرحلة الراهنة. لذا نرى ضرورة توافر التوافقات السياسية والرؤى المشتركة بين القوى السياسية الفاعلة حول المصالح الوطنية العراقية لتتوافر اهم مقومات النطاق الجديد وهي الاتفاق الوطني. وعلى الرغم من تأثير المحددات الخارجية اقليميا ودوليا، فان التوافقات الوطنية ستبدد تأثير تلك المحددات وتجعل اطرافها على إدراك مسبق بضرورة الاخذ بنظر الاهتمام المصلحة العراقية قبل التفكير بأحداث تأثير او تعزيز نفوذ في اطار الحالة التصارعية التي تشهدها المنطقة والعراق هو قلب هذه المنطقة.
اضف تعليق