رغم إن الانباء عن جريمة سبايكر غير متطابقة، وبعض الروايات متناقضة ومتضاربة أو غير منسجمة، لكنها تعد من أبشع الجرائم الإنسانية، تصل الى مستوى جرائم النظام المباد، وصيت مقابره الجماعية التي فاقت الألف بجميع انحاء العراق، ويكاد المتابع يلمسُ تشابهاً بينها وبين جرائم النظام السابق، وروح الانتقام والتشفي والحقد الاعمى على أكبر مكون عراقي منذ تأسيس العراق الحديث الى الآن،
حتى ليقف المرء مشدوهاً، ازاء هذا الحقد غير المبرر الذي يدفع الى ارتكاب جرائمٍ بشعة ضد الإنسان الاعزل الذي لا حول له ولا قوة، ولطالما راهن علماء النفس على تنمية جانب الخير في الإنسان، لتكون الحياة أكثر عدلاً وانصافاً للإنسان بأي بقعة من البقاع وأي وطن من الاوطان، ولكن في هذا النوع من الوحوش البشرية والهمجية، لا يمكن ان يعثروا على ما يمكن تنميتهُ فيه، والمراهنة على إصلاح هذه القطعان البشرية، ضربٌ من الوهم مهما بذلوا من جهود، فقد تخلوا عن إنسانيتهم وأخلصوا للجريمة وإبادة الآخر.
وجريمة سبايكر وسواها دليلٌ واضح على ما يمكن أن تقترفهُ هذه العصابات الهمجية من جرائم، فقد وصل عدد مقابر جريمة سبايكر الى 11 مقبرة جماعية في تكريت، قرب القصور الرئاسية، وهناك صعوبات بجمع الرفات واحصائها، وتحتاج الى مختصين فنيين، لمنع اختلاط الرفات المكتشفة بهذه المقابر، وكل شيء فيها يشير الى تكرار جرائم النظام المباد، ضد مواطنين عراقيين، لأسباب معارضتهم لنظامه أو أسبابٍ طائفية بحتة، وتعد من اشنع الجرائم التاريخية بحقّ العراقيين على طول تاريخه الحديث الذي ابتدأ منذ مطلع القرن الماضي، ولحد الآن لا نجد أيّة دوافع عدا الطائفية والانتقام الاعمى والحقد اللامحدود من قبل شراذم الاجرام.
سبايكر لمن لا يعرفها قاعدة تدريب تقع شمال مدينة تكريت، حصلت المجزرة بحق الطلبة فيها، بعد احتلال داعش للقاعدة وسيطرتها على تكريت، علماً بأنّهُ لحد الآن لم يتم القاء القبض على المسؤولين عن قاعدة سبايكر، سوى إنّهُ تم التحقيق معهم، دون ذكر أي تفاصيل أخرى تتعلق بالجريمة والمتعاونين بتنفيذها لحد الآن، والتأخير بمحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة، تعد جريمة ثانية بحقّ ذوي الضحايا الابرياء، فلا مجال للتسويف أو التأخير أو المماطلة بإنزال القصاص بحقّ المسؤولين والمشاركين بتنفيذ هذه الجريمة البشعة.
وفي المقابل فإن مثل هذه الجرائم لا يمكن التساهل فيها أو تهوينها، وفضح مرتكبيها، لأن اهمال مثل هذه الجرائم التي ترقى الى الإبادة الجماعية، يشجعُ على تكرارها بصورٍ وأشكالٍ مختلفة بحقّ المكونات العراقية، وليس المكون (الشيعي) فقط، وحدوث ذلك وتكراره مجرد مسألة وقت لا اكثر، كما حدث لعشيرة البو نمر من قبل نفس العصابات في المناطق الغربية، والمتأمل بهذه الجرائم، لا يجد صعوبة بتمييزها عن جرائم البعث والنظام السابق، وبمثل هذه الجرائم تعلن «داعش» عن نفسها، ممثلة لفاشية البعث وجرائمه السابقة بحقّ العراقيين.
إضافة الى محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، هناك اجراءات معنوية تساهم في منع تكرار مثل هذه الجرائم على الصعيد الوطني، والتوعية بابتذالها الاخلاقي والإنساني، وبإقامة الندوات وطباعة الكراريس المصوّرة، والنصب الفنية والأمسيات الثقافية والدينية سنية وشيعية، لشرح ابعاد مثل هذه الجرائم على المجتمع العراقي وأمنه ومستقبله في حال سيطرة شراذم هذه التنظيمات الاجرامية على المدن والقصبات العراقية.. أي مواجهتها ثقافياً وفكرياً ودينياً وليس عسكرياً فقط، او منع عودتها بأشكال وصورٍ مختلفة في المستقبل.
اضف تعليق