رغم ان مؤسسة فريدم هاوس freedom house الاميركية غير الربحية، اعتبرت العراق دولة \"غير حرة\" في تقريرها الاخير (٢٠١٩) الا انها سلطت الضوء على نقطة ايجابية شهدها عام ٢٠١٨ وهي اجراء الانتخابات. فقد جاء في التقرير في معرض تقييمه لحالة الحرية في الشرق الأوسط...
رغم ان مؤسسة "فريدم هاوس" freedom house الاميركية غير الربحية، اعتبرت العراق دولة "غير حرة" في تقريرها الاخير (٢٠١٩) الا انها سلطت الضوء على نقطة ايجابية شهدها عام ٢٠١٨ وهي اجراء الانتخابات. فقد جاء في التقرير في معرض تقييمه لحالة الحرية في الشرق الاوسط ما يلي: "استمرت الدول السلطوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قمع المعارضة خلال عام 2018، وحتى الديمقراطيات القليلة في المنطقة عانت من جروح ذاتية. ومع ذلك ، يمكن للانتخابات التي جرت في العراق ولبنان أن تؤدي إلى استقرار هذه البلدان وأن تفتح الطريق أمام تقدم متواضع." واضاف التقرير:"حققت الانتخابات الوطنية في العراق ولبنان بعض الوعود بمزيد من المكاسب. على الرغم من مزاعم التزوير وإعادة الفرز المثير للجدل ، شهد العراقيون انتقالا سلميا للسلطة بعد الانتخابات البرلمانية التنافسية. ومع ذلك قوبلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مدينة البصرة الجنوبية في نهاية العام برد عنيف بشكل غير متناسب من قبل قوات الأمن."
وهذه ملاحظة مهمة، فرغم ان تقرير الايكونوميست السنوي (٢٠١٩) يعتبر العراق دولة هجينة، فان العراقيين تمكنوا من استبدال الحكومة بدون اراقة دماء. وهذا شرط مهم من شروط الديمقراطية حسب الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل بوبر (١٩٠٢-١٩٩٤) حيث عرّف الديمقراطية بانها "القدرة على التخلص من الحكومة دون اراقة دماء". ومع ان هذا التعريف لا يغطي كل المجال السياسي للديمقراطية الا انه يضع معلما مهما من معالمها الكثيرة.
لقد استطاع العراقيون تغيير ثلاث حكومات عبر الانتخابات الدورية دون اراقة دماء. وهذا انجاز مهم. قبل عام ٢٠٠٣، في الفترة من عام ١٩٥٨ الى ٢٠٠٣ كان تغيير الحكومات يتم عبر الانقلابات العسكرية واراقة الدماء. والان انتهى هذا الامر. يستطيع العراقيون الناقمون ان يتظاهروا في الشوارع، وان يذهبوا الى صناديق الاقتراح او ان يقاطعوا الانتخابات، لكن في نهاية المطاف لا تستطيع الحكومة البقاء في كرسي السلطة والحكم رغما عن ارادة الناس وقوة الدستور. هذا لا ينفي وجود سلبيات كثيرة في الوضع العام، لكن هذه السلبيات لا تنفي ايضا هذه الايجابية. فالنظر الشمولي للحالة العراقية يشير الى وجود ايجابيات وسلبيات في نفس الوقت. وظيفتنا ان نعمق الايجابيات وان نعالج السلبيات. وجود الايجابيات يساعدنا على معالجة السلبيات. انه بصيص الامل في نهاية النفق. وانا شخصيا آمل ان نصل الى نهاية النفق بعد ثلاث دورات انتخابية، اي في عام ٢٠٣٠. تشير "فريدم هاوس" الى وجود تراجع في المسار العالمي للديمقراطية. وهذا امر طبيعي. فالديمقراطية نظام قابل للارتداد. لكن المسار العام للبشرية يسير في خط تقدمي. فمنذ وجد الانسان على الارض وهو يتقدم ويتطور، مع وجود انتكاسات مرحلية. والعراق ليس خارج هذا المسار التاريخي مع الاحتفاظ بخصوصية المجتمع العراقي التي من معالمها ذلك الخلل الحاد في المركب الحضاري، اي التخلف، الذي تنتج عنه الكثير من الظواهر السلبية في العقلية ومنهجية التفكير والعمل والاقتصاد والسياسة والدين وغير ذلك. لكن ذلك لا يخمد بصيص الامل الذي يلوح في اخر النفق. فمع ما ذكرته من قدرة المجتمع على تغيير حكومته بدون اواقة دماء، فهناك العديد من الظواهر الايجابية في المجتمع مثل تنامي ظاهرة النشاطات والاعمال التطوعية، وظهور مجموعات واعية تعمل على تحقيق تحقيق اهداف حضارية في المجتمع في العديد من المحافظات العراقية. كان الراحل احمد الجلبي يصف الحالة العراقية كما يلي: "الوضع بائس لكن غير ميؤوس منه". وهذا افضل وصف محايد لما نحن فيه!.
اضف تعليق