منذ تاسيس الدولة العراقية مطلع العشرينيات الى العام 2003، حصلت احداث كثيرة، وجميعها تحتاج الى مراجعة علمية بعيدة عن أي تاثير عقائدي او جهوي، لان البعض يظن انه ليس عقائديا لمجرد كونه غير متحزب، وهذه مغالطة، لان الحزبية مسالة اجرائية وتحصيل حاصل، اما الاعتقاد فمسالة وجدانية...
في الذكرى الخمسين لثورة 14 تموز 1958، أي قبل اكثر من عشر سنوات، عقدت في اتحاد الادباء ندوة للمناسبة، تحدث فيها عدد غير قليل من الادباء والمهتمين، وكانت لي مداخلة مختلفة، خلاصتها، اننا بعد خمسين عاما، مازلنا نكرر القراءة العاطفية للحدث، والاحتفاء برموزه وتكريمهم معنويا فقط .. لقد انصبت احاديث الحاضرين على وطنية الزعيم عبدالكريم قاسم، وهذا امر لايختلف عليه اثنان، وتوزعت بين مشاهدات ومواقف عاشها بعض المداخلين اثناء الثورة، وغيرها من الاحاديث العابرة التي احتفت بالمناسبة.
ثورة تموز ليست وحدها التي تمر كل عام من دون ان نقراها جيدا، بل اغلب احداثنا الكبيرة الاخرى، والسبب هو الانغماس بالقراءة العاطفية والتحيز العقائدي والجهوي .. معروف ان الاحداث المهمة في مختلف بقاع العالم، تقرا باستمرار قراءات توصف بالجديدة، تبعا لتغير النظرة للسياسة وللحياة بشكل عام، وهذه القراءات تمثل جزءا من الثقافة الجديدة التي تاتي كمعطى لحراك حياتي شامل، يغير المفاهيم ويؤثر في المواقف ايضا، وهنا تكمن قيمة البحث العلمي الرصين، اما البقاء على قراءة واحدة لأي حدث، تعني وجود قصور ثقافي يمنع حصول قراءات عميقة متجددة، والدليل انه حتى الاعمال الابداعية المهمة، مازال الجهد البحثي مستمرا في كشف المزيد من مضامينها والغوص في اعماقها.
ما يؤسف له، اننا في العراق، ما ان تمر مناسبة وطنية، تمثل جزءا من الذاكرة الجمعية، حتى نجد الانقسام والتشتت في القراءة يطبع تلك المناسبة التي تمر مرور الكرام، ولم يضف اليها شيئا على مستوى القراءة والتحليل، المنطلقين من قراءة متجددة للحياة، فاغلب المتحاورين، تجدهم يمارسون المناكفات اكثر مما يتحاورن فعلا، وكل جهة او فرد يتمسك برايه بطريقة عشائرية، ويدافع عنه او يعبر عن فهمه له باسلوب بدائي، لايخلو من تجريح او شتم الجهة المقابلة، سواء اكانت المسهمة في صناعة الحدث او التي تؤيدها، وهكذا فشلنا في انضاج حوار علمي عميق، نتناول فيه الاحداث التي مرت على بلادنا بطريقة موضوعية بعيدة عن التبني العاطفي والقراءة السطحية الانفعالية. وقد اذكت ذلك، خدمة الانترنت والفيسبوك، التي وسعت من ساحة المعركة بدلا من ان تتسع مساحة الحوار، فضاعت الموضوعية المطلوبة، وهكذا، نخرج من ذكرى كل مناسبة من دون اية اضافة مهمة.
منذ تاسيس الدولة العراقية مطلع العشرينيات الى العام 2003، حصلت احداث كثيرة، وجميعها تحتاج الى مراجعة علمية بعيدة عن أي تاثير عقائدي او جهوي، لان البعض يظن انه ليس عقائديا لمجرد كونه غير متحزب، وهذه مغالطة، لان الحزبية مسالة اجرائية وتحصيل حاصل، اما الاعتقاد فمسالة وجدانية، تمثل الدافع الحقيقي نحو الحزبية وليس العكس .. في الايام الاخيرة، مرت ذكرى تاسيس الجيش ومن ثم 8 شباط وقبلهما احداث اخرى، وعشنا الطروحات والتعليقات نفسها التي اعتدنا سماعها باستمرار، بينما نحن بنا حاجة حقيقية لقراءة عميقة نستجلي من خلالها ماحدث، ليس فقط بتداعياته المؤلمة، وانما بقراءة مسبباته الداخلية والخارجية والظروف الدولية التي القت باسقاطاتها على البلاد في مرحلة مزدحمة بالاسرار، ونقصد مرحلة الحرب الباردة وعقودها التي تحتاج الى اعادة قراءة باستمرار.
نتمنى ان يكون هذا الامر محور اهتمام ثقافي جاد من قبل المؤسسات المختلفة، لقراءة تاريخ العراق بحيادية وموضوعية، لان احد اهم اسباب تردي واقعنا اليوم، هي القراءة المرتبكة لحوادث التاريخ ..!.
اضف تعليق